معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{لِّيَعۡلَمَ أَن قَدۡ أَبۡلَغُواْ رِسَٰلَٰتِ رَبِّهِمۡ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيۡهِمۡ وَأَحۡصَىٰ كُلَّ شَيۡءٍ عَدَدَۢا} (28)

{ ليعلم } قرأ يعقوب : { ليعلم } بضم الياء أي ليعلم الناس ، { أن } الرسل ، { قد أبلغوا } وقرأ الآخرون بفتح الياء أي : { ليعلم } الرسول أن الملائكة قد أبلغوا ، { رسالات ربهم وأحاط بما لديهم } أي : علم الله ما عند الرسل فلم يخف عليه شيء ، { وأحصى كل شيء عدداً } قال ابن عباس : أحصى ما خلق ، وعرف عدد ما خلق ، فلم يفته علم شيء حتى مثاقيل الذر والخردل . ونصب { عدداً } على الحال ، وإن شئت على المصدر ، أي عد عدداً .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{لِّيَعۡلَمَ أَن قَدۡ أَبۡلَغُواْ رِسَٰلَٰتِ رَبِّهِمۡ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيۡهِمۡ وَأَحۡصَىٰ كُلَّ شَيۡءٍ عَدَدَۢا} (28)

واللام فى قوله - تعالى - : { لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُواْ رِسَالاَتِ رَبِّهِمْ . . } متعلقة بقوله { يَسْلُكُ }

والضمير فى { يعلم } يعود إلى الله - تعالى - ، والمراد بالعلم : علم المشاهدة الذى يترتب عليه الجزاء ، أى : أطلع الله - تعالى - من ارتضاهم على بعض غيوبه ، وحرسهم من وصول الشياطين إلى هذا الذى أظهرهم عليه من غيوب . . ليعلم - تعالى - علم مشاهدة يترتب عليه الجزاء ، أن الرسل قد أبلغو رسالته - سبحانه - إلى خلقه ، وأنه - تعالى - قد { وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ } أى : أحاط علمه - تعالى - بكل ما لدى الرسل وغيرهم من أقوال وأفعال ، { وأحصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً } أى : وأحصى كل شئ فى هذا الكون إحصاء تاما ، وعلما كاملا .

قال الشوكانى : قوله : { لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُواْ رِسَالاَتِ رَبِّهِمْ . . . } اللام متعلقة بيسلك ، والمراد به العلم المتعلق بالإِبلاغ الموجود بالفعل ، و " أن " هى المخففة من الثقيلة ، واسمها ضمير الشأن ، والخبر الجملة ، والرسالات عبارة عن الغيب الذى أريد إظهاره لمن ارتضاه الله من رسول . .

وقال قتادة : ليعلم محمد أن الرسل قبله قد أبلغوا الرسالة كما بلغ هو ، وفيه حذف تتعلق به اللام ، أى : أخبرناه صلى الله عليه وسلم بحفظنا الوحى ، ليعلم أن الرسل قبله كانوا على حالته من التبليغ بالحق والصدق .

وقيل : ليعلم الرسل أن الملائكة قد بلغوا رسالات ربهم . .

ويبدو لنا أن عودة الضمير فى " ليعلم " إلى الله - تعالى - هو الأظهر ، أى : ليعلم الله - تعالى - أن رسله قد أبلغوا رسالاته علم مشاهدة كما علمه غيبا ، لأن علم الله بذلك لا يكون إلا على وفق ما وقع . .

وهكذا ساقت لنا سورة " الجن " الكثير من الحقائق التى تتعلق بإصلاح العقائد والأخلاق والسلوك والأفكار التى طغى كثير منها على العقول والأفهام . .

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{لِّيَعۡلَمَ أَن قَدۡ أَبۡلَغُواْ رِسَٰلَٰتِ رَبِّهِمۡ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيۡهِمۡ وَأَحۡصَىٰ كُلَّ شَيۡءٍ عَدَدَۢا} (28)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

"لِيَعْلَمَ أنْ قَدْ أبْلَغُوا رِسالاتِ رَبّهِمْ" اختلف أهل التأويل في الذي عُنِي بقوله لِيَعْلَمَ فقال بعضهم: عُنِي بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: معنى الكلام: ليعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قد أبلغت الرسل قبله عن ربها وحُفظت.

عن قتادة:"لِيَعْلَمَ أنْ قَدْ أُبْلَغُوا رِسالاتِ رَبّهِمْ" قال: ليعلم نبيّ الله صلى الله عليه وسلم أن الرسل قد أبلغت عن الله، وأن الله حفظها، ودفع عنها.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: ليعلم المشركون أن الرسل قد بلغوا رسالات ربهم.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: ليعلم محمد أن قد بلغت الملائكة رسالات ربهم.

وأولى هذه الأقوال عندنا بالصواب، قول من قال: ليعلم الرسول أن الرسل قبله قد أبلغوا رسالات ربهم.

" وأحاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ": وعلم بكلّ ما عندهم.

"وأحْصَى كُلّ شَيْءٍ عَدَدا": علم عدد الأشياء كلها، فلم يخف عليه منها شيء.

عن سعيد بن جُبير أنه قال في هذه الآية "إلاّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ... إلى قوله وأحْصَى كُلّ شَيْءٍ عَدَدَا" قال: ليعلم الرسل أن ربهم أحاط بهم، فبلغوا رسالاتهم.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{وأحصى كل شيء عددا} أي كل شيء عنده معدود ومحصى، لا يغفل، جلّ جلاله، عن معرفة عدده، ولا تعتريه أحوال، تعزب عنه فيها علم ذلك، خلافا لما عليه أمر الخلق.

{وأحاط بما لديهم} أي بما عند الرسول وبما عند الملائكة أو بما عند الخلق.

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

{ليعْلَمَ أنْ قد أبْلَغوا رسالاتِ ربِّهم}...: ليعلم الله أن رسله قد بلغوا عنه رسالاته، لأنبيائه، قاله الزجاج.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{لِّيَعْلَمَ} الله {أَن قَدْ أَبْلَغُواْ رسالات رَبِّهِمْ} يعني الأنبياء: وحد أولا على اللفظ في قوله: (من بين يديه ومن خلفه) ثم جمع على المعنى، كقوله: {فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خالدين} [الجن: 23]، والمعنى: ليبلغوا رسالات ربهم كما هي، محروسة من الزيادة والنقصان؛ وذكر العلم كذكره في قوله تعالى: {حتى نَعْلَمَ المجاهدين} [محمد: 31]، وقرئ: «ليُعلم» على البناء للمفعول.

{وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ} بما عند الرسل من الحكم والشرائع، لا يفوته منها شيء ولا ينسى منها حرفاً، فهو مهيمن عليها حافظ لها.

{وأحصى كُلَّ شيء عَدَداً} من القطر والرمل وورق الأشجار، وزبد البحار، فكيف لا يحيط بما عند الرسل من وحيه وكلامه.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما كان هذا الدأب من الحفظ في كل رسول بين الغاية جامعاً تعييناً لما اقتضاه الجنس، وبياناً لأن الأفراد أولاً مراد به الجمع، وأنه ما عبر به إلا لتشمل الحراسة كل فرد منهم فقال: {ليعلم} أي الله علماً كائناً واقعاً على هذه الصفة التي تعلق بها علمه في الأزل قبل وجودها بما لا يعلمه إلا هو سبحانه أنها ستكون {أن} أي إن الرسل عليهم الصلاة والسلام {قد أبلغوا} أي إلى من أرسلوا إليه {رسالات ربهم} أي الذي أوجدهم ودبر جميع أمورهم واختارهم لرسالاته على ما هي عليه لم يشبها شائبة ولا لحقها غبر. ولما كان هذا ربما أوهم أنه محتاج في الحفظ إلى الرصد أزال ذلك بقوله: {وأحاط} أي فعل ذلك والحال أنه قد أحاط {بما لديهم} أي الرسل والمرسل إليهم من الملائكة والبشر على أدق الوجوه وأعظمها وأغربها بما أشار إليه التعبير ب"لدى"، ولما كان هذا كافياً في المقصود، لكنه قاصر على محل الحاجة عم تعريفاً بالأمر على ما هو عليه، فقال حاملاً على شدة الوثوق بما تقوله الرسل عن ربهم وأنه لا لبس فيه ولا غائلة بوجه، مبيناً غاية البيان كذب حديث الغرانيق الذي ذكره بعض المفسرين وغيرهم في سورة والنجم: {وأحصى} أي الله سبحانه وتعالى {كل شيء} أي على العموم من غير استثناء أصلاً {عدداً} أي من جهة العدد لكل ما يمكن عده ولو على أقل مقادير الذر فيما لم يزل وفيما لا يزال، فهو دليل قاطع على علمه تعالى بالجزئيات كعلمه بالكليات، وقد التقى أول السورة وآخرها وباطنها الغيبي وظاهرها، فدل آخرها على الأول المجمل، وأولها على الآخر المفصل، وذلك أن أول السورة بين عظمة الوحي بسبب الجن، ثم بين في أثنائها حفظه من مسترقي السمع، وختم بتأكيد حفظه وحفظ جميع كلماته واستمر في تأكيد أمره حتى بانت عظمة هذا القرآن، وظهرت عزة هذا الفرقان، على كل كتاب، بكل اعتبار وحساب.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

(ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم).. والله يعلم. ولكن المقصود هو أن يقع منهم البلاغ فيتعلق به علمه في عالم الواقع. (وأحاط بما لديهم).. فما من شيء في نفوسهم وفي حياتهم ومن حولهم، إلا وهو في قبضة العلم لا يند منه شيء.. (وأحصى كل شيء عددا).. لا يقتصر على ما لدى الرسل؛ بل يحيط بكل شيء إحصاء وعدا، وهو أدق الإحاطة والعلم! وتصور هذه الحال. والرسول محوط بالحراس والأرصاد. وعلم الله على كل ما لديه. وكل ما حوله. وهو يتلقى التكليف جنديا لا يملك إلا أن يؤدي. ويمضي في طريقه ليس متروكا لنفسه، ولا متروكا لضعفه، ولا متروكا لهواه، ولا متروكا لما يحبه ويرضاه. إنما هو الجد الصارم والرقابة الدقيقة. وهو يعلم هذا ويستقيم في طريقه لا يتلفت هنا أو هناك. فهو يعلم ماذا حوله من الحرس والرصد، ويعلم ما هو مسلط عليه من علم وكشف! إنه موقف يثير العطف على موقف الرسول، كما يثير الرهبة حول هذا الشأن الخطير.

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

وهكذا نرى أن الله يرعى رسوله ويراقبه ويحيط بما لديه، ويحصي كل شيء عليه، في ما يوحي به ذلك من معنى المسؤولية في كل حياة الرسول المتصلة برسالته في مواقفه الرسالية، وفي نوازعه الذاتية، لنستوحي منها الرقابة الدائمة على الدعاة إلى الله، التابعين للرسول في خط الدعوة، والسائرين على خطه في خط الجهاد في سبيل الله.

ختام السورة:

تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :

في هذه السورة فوائد كثيرة:

منها: وجود الجن، وأنهم مكلفون مأمورون مكلفون منهيون، مجازون بأعمالهم، كما هو صريح في هذه السورة.

ومنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رسول إلى الجن، كما هو رسول إلى الإنس، فإن الله صرف نفر الجن ليستمعوا ما يوحى إليه ويبلغوا قومهم.

ومنها: ذكاء الجن ومعرفتهم بالحق، وأن الذي ساقهم إلى الإيمان هو ما تحققوه من هداية القرآن، وحسن أدبهم في خطابهم.

ومنها: اعتناء الله برسوله، وحفظه لما جاء به، فحين ابتدأت بشائر نبوته، والسماء محروسة بالنجوم، والشياطين قد هربت عن أماكنها، وأزعجت عن مراصدها، وأن الله رحم به الأرض وأهلها رحمة ما يقدر لها قدر، وأراد بهم ربهم رشدا، فأراد أن يظهر من دينه وشرعه ومعرفته في الأرض، ما تبتهج به القلوب، وتفرح به أولو الألباب، وتظهر به شعائر الإسلام، وينقمع به أهل الأوثان والأصنام.

ومنها: شدة حرص الجن لاستماع الرسول صلى الله عليه وسلم، وتراكمهم عليه.

ومنها: أن هذه السورة قد اشتملت على الأمر بالتوحيد والنهي عن الشرك، وبينت حالة الخلق، وأن كل أحد منهم لا يستحق من العبادة مثقال ذرة، لأن الرسول محمدا صلى الله عليه وسلم، إذا كان لا يملك لأحد نفعا ولا ضرا، بل ولا يملك لنفسه، علم أن الخلق كلهم كذلك، فمن الخطأ والغلط اتخاذ من هذا وصفه إلها [آخر] مع الله.

ومنها: أن علوم الغيوب قد انفرد الله بعلمها، فلا يعلمها أحد من الخلق، إلا من ارتضاه الله وخصه بعلم شيء منها.