فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{لِّيَعۡلَمَ أَن قَدۡ أَبۡلَغُواْ رِسَٰلَٰتِ رَبِّهِمۡ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيۡهِمۡ وَأَحۡصَىٰ كُلَّ شَيۡءٍ عَدَدَۢا} (28)

{ لّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُواْ رسالات رَبّهِمْ } اللام متعلق ب { يسلك } ، والمراد به : العلم المتعلق بالإبلاغ الموجود بالفعل ، وأن هي المخففة من الثقيلة ، واسمها ضمير الشأن ، والخبر الجملة ، والرسالات عبارة عن الغيب الذي أريد إظهاره لمن ارتضاه الله من رسول ، وضمير أبلغوا يعود إلى الرصد . وقال قتادة ومقاتل : ليعلم محمد أن الرسل قبله قد أبلغوا الرسالة كما بلغ هو الرسالة ، وفيه حذف تتعلق به اللام : أي أخبرناه بحفظنا الوحي ليعلم أن الرسل قبله كانوا على حالته من التبليغ . وقيل : ليعلم محمد أن جبريل ومن معه قد أبلغوا إليه رسالات ربه ، قاله سعيد بن جبير . وقيل : ليعلم الرسل أن الملائكة قد بلغوا رسالات ربهم . وقيل : ليعلم إبليس أن الرسل قد أبلغوا رسالات ربهم من غير تخليط . وقال ابن قتيبة : أي ليعلم الجنّ أن الرسل قد أبلغوا ما أنزل إليهم ، ولم يكونوا هم المبلغين باستراق السمع عليهم . وقال مجاهد : ليعلم من كذب الرسل أن الرسل قد بلغوا رسالات ربهم . قرأ الجمهور : { ليعلم } بفتح التحتية على البناء للفاعل . وقرأ ابن عباس ومجاهد وحميد ويعقوب وزيد بن علي بضمها على البناء للمفعول : أي ليعلم الناس أن الرسل قد أبلغوا . وقال الزجاج : ليعلم الله أن رسله قد أبلغوا رسالاته : أي ليعلم ذلك عن مشاهدة كما علمه غيباً . وقرأ ابن أبي عبلة والزهري بضم الياء وكسر اللام { وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ } أي بما عنده الرصد من الملائكة ، أو بما عند الرسل المبلغين لرسالاته ، والجملة في محل نصب على الحال من فاعل يسلك بإضمار قد : أي والحال أنه تعالى قد أحاط بما لديهم من الأحوال . قال سعيد بن جبير : ليعلم أن ربهم قد أحاط بما لديهم فبلغوا رسالاته ، { وأحصى كُلَّ شَيْء عَدَداً } من جميع الأشياء التي كانت والتي ستكون ، وهو معطوف على أحاط ، وعدداً يجوز أن يكون منتصباً على التمييز محوّلاً من المفعول به : أي وأحصى عدد كل شيء ، كما في قوله : { وَفَجَّرْنَا الأرض عُيُوناً } [ القمر : 12 ] ويجوز أن يكون منصوباً على المصدرية ، أو في موضع الحال : معدوداً ، والمعنى : أن علمه سبحانه بالأشياء ليس على وجه الإجمال ، بل على وجه التفصيل : أي أحصى كل فرد من مخلوقاته على حدة .

/خ28