مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{لِّيَعۡلَمَ أَن قَدۡ أَبۡلَغُواْ رِسَٰلَٰتِ رَبِّهِمۡ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيۡهِمۡ وَأَحۡصَىٰ كُلَّ شَيۡءٍ عَدَدَۢا} (28)

قوله تعالى : { ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم } فيه مسائل :

المسألة الأولى : وحد الرسول في قوله : { إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه } ثم جمع في قوله : { أن قد أبلغوا رسالات ربهم } ونظيره ما تقدم من قوله : { فإن له نار جهنم خالدين } .

المسألة الثانية : احتج من قال بحدوث علم الله تعالى بهذه الآية لأن معنى الآية ليعلم الله أن قد أبلغوا الرسالة ، ونظيره قوله تعالى : { حتى نعلم المجاهدين } ( والجواب ) من وجهين ( الأول ) : قال قتادة ومقاتل : ليعلم محمد أن الرسل قد أبلغوا الرسالة كما بلغ هو الرسالة ، وعلى هذا ، اللام في قوله : { ليعلم } متعلق بمحذوف يدل عليه الكلام كأنه قيل : أخبرناه بحفظ الوحي ليعلم أن الرسل قبله كانوا على مثل حالته من التبليغ الحق ، ويجوز أن يكون المعنى ليعلم الرسول أن قد أبلغوا أي جبريل والملائكة الذين يبعثون إلى الرسل رسالات ربهم ، فلا يشك فيها ويعلم أنها حق من الله ( الثاني ) : وهو اختيار أكثر المحققين أن المعنى ليعلم الله أن قد أبلغ الأنبياء رسالات ربهم ، والعلم هاهنا مثله في قوله : { أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم } والمعنى ليبلغوا رسالات ربهم فيعلم ذلك منهم .

المسألة الثالثة : قرئ { ليعلم } على البناء للمفعول .

قوله تعالى : { وأحاط بما لديهم وأحصى كل شيء عددا } .

أما قوله : { وأحاط بما لديهم } فهو يدل على كونه تعالى عالما بالجزئيات ، وأما قوله : { وأحصى كل شيء عددا } فهو يدل على كونه عالما بجميع الموجودات ، فإن قيل : إحصاء العدد إنما يكون في المتناهي ، وقوله : { كل شيء } يدل على كونه غير متناه ، فلزم وقوع التناقض في الآية ، قلنا : لا شك أن إحصاء العدد إنما يكون في المتناهي ، فأما لفظة { كل شيء } فإنها لا تدل على كونه غير متناه ، لأن الشيء عندنا هو الموجودات ، والموجودات متناهية في العدد ، وهذه الآية أحد ما يحتج به على أن المعدوم ليس بشيء ، وذلك لأن المعدوم لو كان شيئا ، لكانت الأشياء غير متناهية ، وقوله : { وأحصى كل شيء عددا } يقتضي كون تلك المحصيات متناهية ، فيلزم الجمع بين كونها متناهية وغير متناهية وذلك محال ، فوجب القطع بأن المعدوم ليس بشيء حتى يندفع هذا التناقض .

والله سبحانه وتعالى أعلم ، والحمد لله رب العالمين ، وصلاته وسلامه على سيد المرسلين ، وخاتم النبيين محمد النبي وآله وصحبه أجمعين .