البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{لِّيَعۡلَمَ أَن قَدۡ أَبۡلَغُواْ رِسَٰلَٰتِ رَبِّهِمۡ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيۡهِمۡ وَأَحۡصَىٰ كُلَّ شَيۡءٍ عَدَدَۢا} (28)

وقرأ الجمهور : { ليعلم } مبنياً للفاعل .

قال قتادة : ليعلم محمد صلى الله عليه وسلم أن الرسل قد بلغوا رسالات ربهم وحفظوا .

وقال ابن جبير : ليعلم محمد أن الملائكة الحفظة الرصد النازلين بين يدي جبريل وخلفه قد أبلغوا رسالات ربهم .

وقال مجاهد : ليعلم من أشرك وكذب أن الرسل قد بلغت ، وعلى هذا القول لا يقع لهم هذا العلم إلا في الآخرة .

وقيل : ليعلم الله رسله مبلغة خارجة إلى الوجود ، لأن علمه بكل شيء قد سبق .

واختار الزمخشري هذا القول الأخير فقال : { ليعلم الله أَن قد أبلغوا رسالات ربهم } : يعني الأنبياء .

وحد أولاً على اللفظ في قوله : { من بين يديه ومن خلفه } ، ثم جمع على المعنى كقوله : { فإن له نار جهنم خالدين } ، والمعنى : ليبلغوا رسالات ربهم كما هي محروسة من الزيادة والنقصان ، وذكر العلم كذكره في قوله { حتى نعلم المجاهدين } انتهى .

وقيل : { ليعلم } ، أي : أيّ رسول كان أن الرسل سواه بلغوا .

وقيل : ليعلم إبليس أن الرسل قد بلغوا رسالات ربهم سليمة من تخليطه وإسراف أصحابه .

وقيل : ليعلم الرسل أن الملائكة بلغوا رسالات ربهم .

وقيل : ليعلم محمد أن قد بلغ جبريل ومن معه إليه رسالة ربه .

وقيل : ليعلم الجن أن الرسل قد بلغوا ما أنزل إليهم ، ولم يكونوا هم المتلقين بإستراق السمع .

وقرأ ابن عباس وزيد بن عليّ : ليعلم ، بضم الياء مبنياً للمفعول ؛ والزهري وابن أبي عبلة : بضم الياء وكسر اللام ، أي ليعلم الله ، أي من شاء أن يعلمه ، أن الرسل قد أبلغوا رسالاته .

وقرأ الجمهور : { رسالات } على الجمع ؛ وأبو حيوة : على الإفراد .

وقرأ الجمهور : { وأحاط بما لديهم } : وأحاط مبنياً للفاعل ، أي الله ، { وأحصى } : مبنياً للفاعل ، أي الله كل نصباً ؛ وابن أبي عبلة : وأحيط وأحصى مبنياً للمفعول كل رفعاً .

ولما كان ليعلم مضمناً معنى علم ، صار المعنى : قد علم ذلك ، فعطف وأحاط على هذا الضمير ، والمعنى : وأحاط بما عند الرسل من الحكم والشرائع لا يفوته منها شيء .

{ وأحصى كل شيء عدداً } : أي معدوداً محصوراً ، وانتصابه على الحال من كل شيء ، وإن كان نكرة لاندراج المعرفة في العموم .

ويجوز أن ينتصب نصب المصدر لأحصى لأنه في معنى إحصاء .

وقال أبو البقاء : ويجوز أن يكون تمييزاً .

انتهى ، فيكون منقولاً من المفعول ، إذا أصله : وأحصى عدد كل شيء ، وفي كونه ثابتاً من لسان العرب خلاف .