السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{لِّيَعۡلَمَ أَن قَدۡ أَبۡلَغُواْ رِسَٰلَٰتِ رَبِّهِمۡ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيۡهِمۡ وَأَحۡصَىٰ كُلَّ شَيۡءٍ عَدَدَۢا} (28)

{ ليعلم } أي : الله علم ظهور كقوله تعالى : { حتى نعلم المجاهدين } [ محمد : 31 ] { أن } مخففة من الثقيلة ، أي أنه { قد أبلغوا } أي : الرسل { رسالات ربهم } وحد أوّلاً على اللفظ في قوله تعالى { من بين يديه ومن خلفه } ثم جمع على المعنى كقوله تعالى : { فأنّ له نار جهنم خالدين فيها } [ التوبة : 63 ] ، والمعنى ليبلغوا رسالات ربهم كما هي محروسة من الزيادة والنقصان . وقيل : ليعلم محمد صلى الله عليه وسلم أن جبريل قد بلغ رسالات ربه . وقيل : ليعلم محمد صلى الله عليه وسلم أنّ الرسل قد بلغوا رسالات ربهم .

{ وأحاط بما لديهم } أي : بما عند الرسل من الحكم والشرائع لا يفوته منها شيء ولا ينسى منها حرفاً ، فهو مهيمن عليها حافظ لها { وأحصى } أي : الله سبحانه وتعالى { كل شيء } أي : من القطر والرمل وورق الأشجار وزبد البحر وغير ذلك { عدداً } ولو على أقل المقادير الذرّ فيما لم يزل وفيما لا يزال فكيف لا يحيط بما عند الرسل من وحيه وكلامه ؟ وقال ابن جبير رضي الله عنه : ليعلم الرسل أنّ ربهم قد أحاط بما لديهم فيبلغوا رسالاته .

تنبيه : هذه الآية تدل على أنه تعالى عالم بالجزئيات وبجميع الموجودات .

و{ عدداً } يجوز أن يكون تمييزاً منقولاً من المفعول به ، والأصل أحصى عدد كل شيء كقوله تعالى : { وفجرنا الأرض عيوناً } [ القمر : 12 ] أي : عيون الأرض ، وأن يكون منصوباً على الحال ، أي : وضبط كل شيء معدوداً محصوراً وأن يكون مصدراً في معنى الإحصاء .

ختام السورة:

وقول البيضاوي تبعاً للزمخشري : إنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : «من قرأ سورة الجنّ كان له بعدد كل جني صدّق محمداً وكذب به عتق رقبة » حديث موضوع .