اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{لِّيَعۡلَمَ أَن قَدۡ أَبۡلَغُواْ رِسَٰلَٰتِ رَبِّهِمۡ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيۡهِمۡ وَأَحۡصَىٰ كُلَّ شَيۡءٍ عَدَدَۢا} (28)

قوله : { لِّيَعْلَمَ } . متعلق ب «يَسْلكُ » .

والعامة : على بنائه للفاعل ، وفيه خلاف . أي : ليعلم محمد صلى الله عليه وسلم أن الرسل قبله قد أبلغوا الرسالة ، قاله مقاتل وقتادة .

قال القرطبيُّ{[58245]} : «وفيه حذف تتعلق به اللام ، أي : أخبرناه بحفظنا الوحي ، ليعلم أن الرسل قبله كانوا على مثل حاله من التبليغ بالحق والصدق » .

وقيل : ليعلم محمد أن قد أبلغ جبريل ومن معه إليه رسالة ربه .

قاله ابن جبير ، قال : ولم ينزل الوحي إلا ومعه أربعة حفظة من الملائكة - عليهم السلام - .

وقيل : ليعلم الرسول أن الرسل سواه بلغوا{[58246]} .

وقيل : ليعلم الله ، [ أي : ليظهر علمه للناس أنّ الملائكة بلغوا رسالات ربهم .

وقيل : ليعلم الرسول ، أي رسولٍ كان أنَّ الرسل سواه بلغوا ] .

وقيل : ليعلم إبليس أن الرسل قد بلغوا رسالات ربهم سليمة من تخليطه واستراق أصحابه .

وقال ابن قتيبة : أي : ليعلم الجن أن الرسل قد بلغوا ما أنزل إليهم ، ولم يكونوا هم المبلغين باستراق السمع عليهم .

وقال مجاهد : ليعلم من كذب الرسل أن المرسلين ، قد بلغوا رسالات ربهم{[58247]} .

وقيل : ليعلم الملائكة . وهذان ضعيفان ، لإفراد الضمير .

والضمير في «أبْلغُوا » عائد على «من » في قوله : «من ارْتضَى » راعى لفظها أولاً ، فأفرد في قوله { مِن بَيْنَ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ } ، ومعناها ثانياً ، فجمع في قوله «أبْلَغُوا » إلى آخره .

وقرأ ابن عباس{[58248]} ومجاهد وزيد بن علي وحميد ويعقوب ليعلم مبنياً للمفعول أي ليعلم الناس أن الرسل قد بلغوا رسالاته .

وقرأ ابن أبي عبلة{[58249]} والزهري : لِيُعلم «- بضم الياء وكسر اللام - أي : ليعلم الله رسوله بذلك .

وقرأ أبو حيوة{[58250]} : " رِسَالة " بالإفراد ، والمراد الجمع .

وقرأ ابن أبي عبلة{[58251]} : " وأحيط ، وأحصي " مبنيين للمفعول ، " كل " رفع ب " أحصي " . قوله : " عَدَدا " ، يجوز أن يكون تمييزاً منقولاً من المفعول به ، والأصل : أحصى عدد كل شيء ، كقوله تعالى : { وَفَجَّرْنَا الأرض عُيُوناً } [ القمر : 12 ] ، أي : عيون الأرض على خلاف سبق .

ويجوز أن يكون منصوباً على المصدر من المعنى ، لأن " أحْصَى " بمعنى " عَد " ، فكأنه قيل : وعد كل شيء عدداً .

أو يكون التقدير : وأحصى كلَّ شيء إحصاء ، فيرد المصدر إلى الفعل ، أو الفعل إلى المصدر .

ومنع مكي كونه مصدراً للإظهار ، فقال : " عَدَداً " نصب على البيان ، ولو كان مصدراً لأدغم .

يعني : أن قياسه أن يكون على " فَعْل " بسكون العين ؛ لكنه غير لازم ، فجاء مصدره بفتح العين .

ولما كان «لِيعْلمَ » مضمناً معنى «قَد عَلِمَ ذلِكَ » جاز عطف «وأحَاطَ » على ذلك المقدر .

قال القرطبي{[58252]} : «عَدَداً » ، نصب على الحال ، أي : أحصى كل شيء .

فصل في معنى الإحاطة في الآية .

المعنى : أحاط علمه بما عند الرسل ، وما عند الملائكة .

وقال ابن جبيرٍ : المعنى ليعلم الرسل أن ربهم قد أحاط بما لديهم ، فيبلغوا رسالاته { وأحصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً } أي : علم كل شيء وعرفه فلم يخف عليه منه شيء ، وهذه الآية تدل على أنه تعالى عالم بالجزئيات ، وبجميع الموجودات .

ختام السورة:

روى الثعلبي عن أبيِّ بن كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَنْ قَرَأ سُورَةَ الجِنِّ أُعْطِيَ بعَددٍ كُلِّ جنِّي وشيْطانٍ صدَّق بمُحمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وكذَّب بِهِ عِتْقُ رَقبةٍ »{[1]} . والله تعالى أعلم بالصواب .


[1]:في النسختين تقدم. وندم تصحيح من الرازي. وانظر تصحيح ذلك وغيره في تفسير الإمام 28/117.
[58245]:الجامع لأحكام القرآن 19/20.
[58246]:سقط من أ.
[58247]:ذكره الماوردي في "تفسيره" (6/123).
[58248]:ينظر: المحرر الوجيز 5/385، والبحر المحيط 8/349، والدر المصون 6/400.
[58249]:ينظر: البحر المحيط 8/349، والدر المصون 6/400.
[58250]:ينظر: السابق.
[58251]:ينظر: المحرر الوجيز 5/385، والبحر المحيط 8/349، والدر المصون 6/400.
[58252]:ينظر: الجامع لأحكام القرآن 19/21.