معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يَٰقَوۡمِ لَكُمُ ٱلۡمُلۡكُ ٱلۡيَوۡمَ ظَٰهِرِينَ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِنۢ بَأۡسِ ٱللَّهِ إِن جَآءَنَاۚ قَالَ فِرۡعَوۡنُ مَآ أُرِيكُمۡ إِلَّا مَآ أَرَىٰ وَمَآ أَهۡدِيكُمۡ إِلَّا سَبِيلَ ٱلرَّشَادِ} (29)

قوله تعالى : { يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض } ، غالبين في أرض مصر ، { فمن ينصرنا من بأس الله } ، من يمنعنا من عذاب الله ، { إن جاءنا } ، والمعنى لكم الملك اليوم فلا تتعرضوا لعذاب الله بالتكذيب ، وقتل النبي فإنه لا مانع من عذاب الله إن حل بكم ، { قال فرعون ما أريكم } ، من الرأي والنصيحة ، { إلا ما أرى } ، لنفسي . وقال الضحاك : ما أعلمكم إلا ما أعلم ، { وما أهديكم إلا سبيل الرشاد } ، ما أدعوكم إلا إلى طريق الهدى .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَٰقَوۡمِ لَكُمُ ٱلۡمُلۡكُ ٱلۡيَوۡمَ ظَٰهِرِينَ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِنۢ بَأۡسِ ٱللَّهِ إِن جَآءَنَاۚ قَالَ فِرۡعَوۡنُ مَآ أُرِيكُمۡ إِلَّا مَآ أَرَىٰ وَمَآ أَهۡدِيكُمۡ إِلَّا سَبِيلَ ٱلرَّشَادِ} (29)

ثم أخذ فى تذكيرهم بنعم الله عليهم ، وفى تحذيره من نقمه فقال : { ياقوم لَكُمُ الملك اليوم ظَاهِرِينَ فِي الأرض فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ الله إِن جَآءَنَا } .

أى : وقال الرجل المؤمن لقومه - أيضا - : يا قوم ، أى : يا أهلى ويا عشيرتى ، أنتم اليوم لكم الملك ، حالة كونكم ظاهرين ، أى : غالبين ومنتصرين فى أرض مصر ، عالين فيها على بنى إسرائيل قوم موسى .

وإذا كان أمرنا كذلك ، فمن يستطيع أن ينصرنا من عذاب الله ، إن أرسله علينا ، بسبب عدم شكرنا له ، واعتدائنا على خلقه .

وإنما نسب إليهم ما يسرهم من الملك والظهور فى الأرض دون أن يسلك نفسه معهم ، وسلك نفسه معهم فى موطن التحذير ، تطييبا لقلوبهم ، وإيذانا بأنه ناصح أمين لهم ، وأنه لا يهمه سوى منفعتهم ومصلحتهم . .

وهنا نجد القرآن الكريم يخبرنا بأن فرعون بعد أن استمع إلى نصيحة الرجل المؤمن ، أخذته العزة بالإِثم ، وقال ما يقوله كل طاغية معجب بنفسه : { مَآ أُرِيكُمْ إِلاَّ مَآ أرى وَمَآ أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرشاد } .

أى : قال فرعون لقومه ، فى رده على نصيحة الرجل المؤمن : يا قوم لا أشير عليكم ولا أخبركم إلا بما أراه صوابا وخيرا ، وهو أن أقتل موسى - عليه السلام - وما أهديكم برأيى هذا إلا إلى طريق السداد والرشاد .

وغرض فرعون بهذا القول ، التدليس والتمويه على قومه . وأنه ما يريد إلا منفعتهم ، مع أن الدافع الحقيقى لقوله هذا ، هو التخلص من موسى حتى يخلو له الجو فى تأليه نفسه على جهلة قومه ، فإنهم كانوا كما قال - تعالى - فى شأنهم : { فاستخف قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ }

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَٰقَوۡمِ لَكُمُ ٱلۡمُلۡكُ ٱلۡيَوۡمَ ظَٰهِرِينَ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِنۢ بَأۡسِ ٱللَّهِ إِن جَآءَنَاۚ قَالَ فِرۡعَوۡنُ مَآ أُرِيكُمۡ إِلَّا مَآ أَرَىٰ وَمَآ أَهۡدِيكُمۡ إِلَّا سَبِيلَ ٱلرَّشَادِ} (29)

21

وحين يصل بهم إلى فعل الله بمن هو مسرف كذاب ، يهجم عليهم مخوفاً بعقاب الله ، محذراً من بأسه الذي لا ينجيهم منه ما هم فيه من ملك وسلطان ، مذكراً إياهم بهذه النعمة التي تستحق الشكران لا الكفران :

( يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض . فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا ? ) . .

إن الرجل يشعر بما يشعر به القلب المؤمن ، من أن بأس الله أقرب ما يكون لأصحاب الملك والسلطان في الأرض ؛ فهم أحق الناس بأن يحذروه ، وأجدر الناس بأن يحسوه ويتقوه ، وأن يبيتوا منه على وجل ، فهو يتربص بهم في كل لحظة من لحظات الليل والنهار . ومن ثم يذكرهم بما هم فيه من الملك والسلطان ، وهو يشير إلى هذا المعنى المستقر في حسه البصير . ثم يجمل نفسه فيهم وهو يذكرهم ببأس الله : ( فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا ? )ليشعرهم أن أمرهم يهمه ، فهو واحد منهم ، ينتظر مصيره معهم ؛ وهو إذن ناصح لهم مشفق عليهم ، لعل هذا أن يجعلهم ينظرون إلى تحذيره باهتمام ، ويأخذونه مأخذ البراءة والإخلاص . وهو يحاول أن يشعرهم أن بأس الله إن جاء فلا ناصر منه ولا مجير عليه ، وأنهم إزاءه ضعاف ضعاف .

هنا يأخذ فرعون ما يأخذ كل طاغية توجه إليه النصيحة . تأخذه العزة بالإثم . ويرى في النصح الخالص افتياتاً على سلطانه ، ونقصاً من نفوذه ، ومشاركة له في النفوذ والسلطان :

( قال فرعون : ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد ) . .

إنني لا أقول لكم إلا ما أراه صواباً ، وأعتقده نافعاً . وإنه لهو الصواب والرشد بلا شك ولا جدال ! وهل يرى الطغاة إلا الرشد والخير والصواب ? ! وهل يسمحون بأن يظن أحد أنهم قد يخطئون ? ! وهل يجوز لأحد أن يرى إلى جوار رأيهم رأياً ? ! وإلا فلم كانوا طغاة ? !

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{يَٰقَوۡمِ لَكُمُ ٱلۡمُلۡكُ ٱلۡيَوۡمَ ظَٰهِرِينَ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِنۢ بَأۡسِ ٱللَّهِ إِن جَآءَنَاۚ قَالَ فِرۡعَوۡنُ مَآ أُرِيكُمۡ إِلَّا مَآ أَرَىٰ وَمَآ أَهۡدِيكُمۡ إِلَّا سَبِيلَ ٱلرَّشَادِ} (29)

{ ياقوم لَكُمُ الملك اليوم ظاهرين فِى الارض فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ الله إِن جَآءَنَا }

لما توسم نهوضَ حجتِه بينهم وأنها داخلت نفوسهم ، أَمِن بأسهم ، وانتهز فرصة انكسار قلوبهم ، فصارحهم بمقصوده من الإِيمان بموسى على سَنَن الخطباء وأهل الجدل بعد تقرير المقدمات والحجج أن يهجموا على الغرض المقصود ، فوعظهم بهذه الموعظة . وأدخل قومه في الخطاب فناداهم ليستهويهم إلى تعضيده أمام فرعون فلا يجدَ فرعون بُدّاً من الانصياع إلى اتفاقهم وتظاهرهم ، وأيضاً فإن تشريك قومه في الموعظة أدخل في باب النصيحة فابتدأ بنصح فرعون لأنه الذي بيده الأمر والنهي ، وثنّى بنصيحة الحاضرين من قومه تحذيراً لهم من مصائبَ تصيبهم من جراء امتثالهم أمر فرعون بقتل موسى فإن ذلك يهمهم كما يهمّ فرعون . وهذا الترتيب في إسداء النصيحة نظير الترتيب في قول النبي صلى الله عليه وسلم « ولأئمَّةِ المسلمين وعامتهم{[359]} » ولا يخفى ما في ندائهم بعنوان أنهم قومه من الاستصغاء لنصحه وترقيق قلوبهم لقوله .

وابتداء الموعظة بقوله : { لَكُمُ المُلكُ اليَوْمَ ظاهرين في الأرْضِ } تذكيرٌ بنعمة الله عليهم ، وتمهيد لتخويفهم من غضب الله ، يعني : لا تغرنكم عظمتكم وملككم فإنهما معرضان للزوال إن غضب الله عليكم .

والمقصود : تخويف فرعون من زوال ملكه ، ولكنه جعل المُلك لقومه لتجنب مواجهة فرعون بفرض زوال ملكه .

والأرض : أرض مصر ، أي نافذاً حكمكم في هذا الصقع .

وفرع على هذا التمهيد : { فَمَن يَنصُرُنا مِن بأس الله إن جاءَنا } ، و ( مَنْ ) للاستفهام الإِنكاري عن كل ناصر ، فالمعنى : فلا نصر لنا من بأس الله . وأدمج نفسه مع قومه في { ينصرنا } و { جاءنا ، } ليريهم أنه يأبى لقومه ما يأباه لنفسه وأن المصيبة إن حلت لا تصيب بعضهم دون بعض .

ومعنى { ظاهرين } غالبين ، وتقدم آنفاً ، أي إن كنتم قادرين على قتل موسى فالله قادر على هلاككم .

والبَأْس : القوة على العدوّ والمعاند ، فهو القوة على الضر .

{ قَالَ فِرْعَوْنُ مَآ أُرِيكُمْ إِلاَّ مَآ أرى وَمَآ أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرشاد }

تفطن فرعون إلى أنه المعرَّض به في خطاب الرجل المؤمن قومَه فقاطعه كلامَه وبيَّن سبب عزمه على قتل موسى عليه السلام بأنه ما عرض عليهم ذلك إلا لأنه لا يرى نفعاً إلا في قتل موسى ولا يستصوب غير ذلك ويرى ذلك هو سبيل الرشاد ، وكأنه أراد لا يترك لنصيحة مؤمنهم مدخلاً إلى نفوس مَلَئِه خيفة أن يتأثرُوا بنصحه فلا يساعدوا فرعون على قتل موسى . ولكون كلام فرعون صدر مصدر المقاطعة لكلام المؤمن جاء فعل قوللِ فرعون مَفْصُولاً غيرَ معطوف وهي طريقة حكاية المقاولات والمحاورة .

ومعنى : { مَا أُرِيكُم } : ما أجعلكم رَائِين إلا ما أراه لنفسي ، أي ما أشير عليكم بأن تعتقدوا إلا ما أعتقده ، فالرؤية علمية ، أي لا أشير إلا بما هو معتقَدي .

والسبيل : مستعار للعمل ، وإضافته إلى الرشاد قرينة ، أي ما أهديكم وأشير عليكم إلا بعمل فيه رشاد . وكأنه يعرِّض بأن كلام مؤمنهم سفاهة رأي . والمعنى الحاصل من الجملة الثانية غير المعنى الحاصل من الجملة الأولى كما هو بَيّن وكما هو مقتضى العطف .


[359]:- بعض حديث أوله: الدين النصيحة قالوا لمن يا رسول الله قال لله ولرسوله ألخ