فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{يَٰقَوۡمِ لَكُمُ ٱلۡمُلۡكُ ٱلۡيَوۡمَ ظَٰهِرِينَ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِنۢ بَأۡسِ ٱللَّهِ إِن جَآءَنَاۚ قَالَ فِرۡعَوۡنُ مَآ أُرِيكُمۡ إِلَّا مَآ أَرَىٰ وَمَآ أَهۡدِيكُمۡ إِلَّا سَبِيلَ ٱلرَّشَادِ} (29)

{ يا قوم لَكُمُ الملك اليوم ظاهرين في الأرض } ذكرهم ذلك الرجل المؤمن ما هم فيه من الملك ، ليشكروا الله ، ولا يتمادوا في كفرهم ، ومعنى { ظاهرين } الظهور على الناس ، والغلبة لهم ، والاستعلاء عليهم ، والأرض أرض مصر ، وانتصاب { ظاهرين } على الحال { فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ الله إِن جَاءنَا } أي من يمنعنا من عذابه ، ويحول بيننا ، وبينه عند مجيئه ، وفي هذا تحذير منه لهم من نقمة الله بهم ، وإنزال عذابه عليهم ، فلما سمع فرعون ما قاله هذا الرجل من النصح الصحيح جاء بمراوغة يوهم بها قومه أنه لهم من النصيحة ، والرعاية بمكان مكين ، وأنه لا يسلك بهم إلا مسلكاً يكون فيه جلب النفع لهم ، ودفع الضرّ عنهم ، ولهذا قال : { مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أرى } قال ابن زيد : أي ما أشير عليكم إلا بما أرى لنفسي .

وقال الضحاك : ما أعلمكم إلا ما أعلم ، والرؤية هنا هي القلبية لا البصرية ، والمفعول الثاني هو إلا ما أرى { وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرشاد } أي ما أهديكم بهذا الرأي إلا طريق الحقّ . قرأ الجمهور : { الرشاد } بتخفيف الشين ، وقرأ معاذ بن جبل بتشديدها على أنها صيغة مبالغة كضرّاب . وقال النحاس : هي لحن ، ولا وجه لذلك .

/خ29