السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{يَٰقَوۡمِ لَكُمُ ٱلۡمُلۡكُ ٱلۡيَوۡمَ ظَٰهِرِينَ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِنۢ بَأۡسِ ٱللَّهِ إِن جَآءَنَاۚ قَالَ فِرۡعَوۡنُ مَآ أُرِيكُمۡ إِلَّا مَآ أَرَىٰ وَمَآ أَهۡدِيكُمۡ إِلَّا سَبِيلَ ٱلرَّشَادِ} (29)

ولما استدل مؤمن آل فرعون على أنه لا يجوز قتل موسى عليه السلام ، خوف فرعون وقومه ذلك العذاب الذي توعدهم به في قوله : { يصيبكم بعض الذي يعدكم } فقال : { يا قوم } وعبر بأسلوب الخطاب دون التكلم تصريحاً بالمقصود فقال : { لكم الملك } ونبه على ما يعرفونه من تقلبات الدهر بقوله : { اليوم } وأشار إلى ما عهدوه من الخذلان في بعض الأزمان بقوله : { ظاهرين } أي : عالين على بني إسرائيل وغيرهم ، وما زال أهل البلاء يتوقعون الرخاء وأهل الرخاء يتوقعون البلاء ونبه بقوله : { في الأرض } أي : أرض مصر على الاحتياج ترهيباً لهم وعرفها لأنها كالأرض كلها لحسنها وجمعها المنافع ثم حذرهم من سخط الله تعالى فقال : { فمن ينصرنا } أي : أنا وأنتم أدرج نفسه فيهم عند ذكر الشر بعد إفراده لهم بالملك إبعاداً للتهمة وحثاً على قبول النصيحة . { من بأس الله } أي : الذي له الملك كله { إن جاءنا } أي : غضباً لهذا الذي يدعي أنه أرسله فلا تفسدوا أمركم ولا تتعرضوا لبأس الله تعالى بقتله فإنه إن جاءنا لم يمنعنا منه أحد .

ولما قال المؤمن هذا الكلام { قال فرعون } أي : لقومه جواباً لما قاله هذا المؤمن : { ما أريكم } من الآراء { إلا ما أرى } أي : إنه صواب على قدر مبلغ علمي ولا أرى لكم إلا ما أرى لنفسي ، وقال الضحاك : ما أعلمكم إلا ما أعلم { وما أهديكم } أي : بما أشرت به عليكم من قتل موسى وغيره { إلا سبيل الرشاد } أي : الذي أرى أنه صواب لا أظهر شيئاً وأبطن غيره .