فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{يَٰقَوۡمِ لَكُمُ ٱلۡمُلۡكُ ٱلۡيَوۡمَ ظَٰهِرِينَ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِنۢ بَأۡسِ ٱللَّهِ إِن جَآءَنَاۚ قَالَ فِرۡعَوۡنُ مَآ أُرِيكُمۡ إِلَّا مَآ أَرَىٰ وَمَآ أَهۡدِيكُمۡ إِلَّا سَبِيلَ ٱلرَّشَادِ} (29)

{ يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ } ذكرهم ذلك الرجل المؤمن ما هم فيه من الملك ليشكروا الله ولا يتمادوا في كفرهم ، ومعنى { ظَاهِرِينَ } الظهور على الناس ، والغلبة لهم ، والاستعلاء عليهم { فِي الْأَرْضِ } أي أرض مصر .

{ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا } أي من يمنعنا من عذابه ويحول بيننا وبينه عند مجيئه ، وفي هذا تحذير منه لهم من نقمة الله بهم ، وإنزال عذابه عليهم ، وإنما نسب ما يسرهم من الملك والظهور في الأرض لهم خاصة ، ونظم نفسه في سلكهم فيما يهمهم من مجيء بأس الله تطييبا لقلوبهم ، وإيذانا بأنه مناصح ساع في تحصيل ما يجديهم ، ودفع ما يرديهم ، ليتأثروا بنصحه ؛ فلما سمع فرعون ما قاله هذا الرجل من النصح الصحيح جاء بمراوغة يوهم بها قومه أنه لهم من النصيحة والرعاية بمكان مكين ، وأنه لا يسلك بهم إلا مسلكا يكون فيه جلب النفع لهم ، ودفع الضر عنهم ولهذا :

{ قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى } أي ما أشير عليكم إلا بما أرى لنفسي ، قاله ابن زيد ، وهذا تفسير لمآل المعنى ، والتفسير المطابق لجوهر اللفظ ما قال الضحاك ما أعلمكم إلا ما أعلم من الصواب ، وهو قتل موسى والرؤية هنا هي القلبية الاعتقادية ، لا البصرية العينية ، فتعدى لمفعولين ثانيهما إلا ما أرى .

{ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ } أي ما أهديكم ولا أدعوكم بهذا الرأي إلا إلى طريق الحق والهدى ، قرأ الجمهور بتخفيف الشين ، وقرأ معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه بتشديدها على أنها صيغة مبالغة كضراب ، قال النحاس : هي لحن ولا وجه لذلك .