قوله : { ياقوم لَكُمُ الملك اليوم } اعلم أن مؤمن آل فرعون لما استدل على أنه لا يجوز قتل موسى خوف فرعون وقومه ذلك العقاب{[48126]} الذي توعّدهم به في قوله { يصبكم بعض الذي يعدكم } فقال : يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض . أي أرض مصر يعني قد علوتم الناس وقَهَرْتُمُوهُمْ فلا تفسدوا أمركم على أنفسكم ولا تتعرضوا لعذاب الله بالتكذيب وقتل النبي فإنه لا مانع من عذاب الله إن حلَّ بكم ، وإنما قال «يَنْصُرُنَا وَجَاءَنَا » ؛ لأنه كان يظهر أنه منهم وأن الذي ينصحهم به هو مشارك لهم فيه{[48127]} .
قوله «ظَاهِرينَ » حال من الضمير «لكم » والعامل فيها وفي اليوم ما تعلق به «لكم »{[48128]} .
ولما قال المؤمن هذا الكلام قال فرعون : { مَآ أُرِيكُمْ إِلاَّ مَآ أرى } هي من رؤية الاعتقاد{[48129]} فيتعدى لمفعولين ثانيهما : «إلاَّ مَا أرَى » أي إلا ما أرى لنفسي{[48130]} . وقال الضحاك : ما أعلمكم إلا ما أعلم{[48131]} . قوله { وَمَآ أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرشاد } العامة على تخفيف الشين ، مصدر رَشَدَ يَرْشُدُ . وقرِأ معاذ بن جبل بتشديدها{[48132]} ، وخرجها أبو الفتح وغيره على أنها صفة مبالغة ، نحو ضَرَبَ فهو ضَرَّاب{[48133]} ، وقال النحاس : هو لحن ، وتوهمه من{[48134]} الرباعي يعني أرشد ، ورد على النحاس قوله : بأنه يحتمل أن يكون من «رشد » الثلاثي ، وهو الظاهر{[48135]} ، وقد جاء فعال أيضاً من أفعل وإن كان لا ينقاس ، قالوا : أدْرَكَ فَهُوَ دَرَّاك وأجْبَرَ فهو جَبَّار ، وأَقْصَرَ فهو قَصَّار ، وأَسْأرَ{[48136]} فهو سَئَّار . ويدل على أنه صفة مبالغة أن معاذاً كان يفسرها بسبيل الله .
قال ابن عطية : ويبعد عندي على معاذ رضي الله عنه وهل كان فرعون يدعي إلا الإلَهيَّةَ ؟ ويعلق بناء اللفظ على هذا التركيب{[48137]} . قال شهاب الدين يعني ابن عطية أنهن كيف يقول فرعون ذلك فيقر بأنَّ ثمَّ من يهدي إلى الرشاد غيره مع أنه يدعي أنه إله{[48138]} .
وهذا الذي عزاه ابن عطية والزمخشري وابن جبارة{[48139]} صاحب الكامل إلى معاذ بن جبل من القراءة المذكورة ليس هو في «الرَّشَادِ » الذي هو في كلام فرعون كما توهموا ، وإنما هو في «الرَّشَادِ » الثاني الذي هو من قول المؤمن بعد ذلك{[48140]} . ويدل على ذلك ما روى أبو الفضل الرازي في كتاب اللوامح : وقرأ معاذ بن جبل سبيل الرشاد الحرف الثاني{[48141]} بالتشديد وكذلك الحسن وهو سبيل الله تعالى أوضحه لعباده كذلك فسره معاذ ( بن جبل ) وهو منقول من مُرْشِد كدَرَّاك من مدرك ، وجبار من مجبر ، وقصَّار من مقصِر عن الأمر ، ولها نظائر معدودة فأما قصّار الثوب فهو من قصرت الثوب قِصَارَةً . فعلى هذا يزول إشكال ابن عطية المتقدم ويتضح القراءة والتفسير{[48142]} . وقال أبو البقاء وهو الذي يكثر منه الإرشاد أو الرشد يعني أنه يحتمل أن يكون من «أَرْشَدَ » الرباعي ، أو«رَشَدَ » الثلاثي ، والأولى أن يكون من الثلاثي لما عرفت أنه ينقاس دون دو الأول{[48143]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.