ثم أراه الله آية أخرى فقال : { وأدخل يدك في جيبك } والجيب حيث جيب من القميص ، أي : قطع ، قال أهل التفسير : كانت عليه مدرعة من صوف لا كم لها ولا أزرار ، فأدخل يده في جيبه وأخرجها ، فإذا هي تبرق مثل البرق ، فذلك قوله : { تخرج بيضاء من غير سوء } من غير برص ، { في تسع آيات } يقول هذه آية من تسع آيات أنت مرسل بهن .
ثم أرشد - سبحانه - موسى - عليه السلام - إلى معجزة أخرى . لتكون دليلاً على صدقه فى رسالته إلى من سيرسله إليهم فقال : { وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سواء } .
والمراد بجيبه : فتحة ثوبه أو قميصه عند مدخل رأسه ، أو عند جانبه الأيمن ، وأصل الجيب : القطع . يقال : جاب الشىء إذا قطعه .
والمعنى : وأدخل يا موسى يدك اليمنى فى فتحة ثوبك ، ثم أخرجها تراها تخرج بيضاء من غير سوء . أى : تخرج منيرة مشرقة واضحة البياض دون أن يكون بها أى سوء من مرض أو برص أو غيرهما . وإنما يكون بياضها بياضاً مشرقاً مصحوباً بالسلامة بقدرة الله - تعالى - وإرادته .
قال الحسن البصرى : أخرجها - والله - كأنها مصباح ، فعلم موسى أنه قد لقى ربه ،
وقوله : { تَخْرُجْ } جواب الأمر فى قوله : { وَأَدْخِلْ } ، و { بَيْضَآءَ } حال من فاعل تخرج ، و { مِنْ غَيْرِ سواء } يجوز أن يكون حالاً أخرى . أو صفة لبيضاء .
والمراد باليد هنا : كف يده اليمنى . والسوء : الردئ والقبيح من كل شىء ، وهو هنا كناية عن البرص لشدة قبحه .
وقوله - تعالى - : { فِي تِسْعِ آيَاتٍ إلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ } يصح أن يكون حالاً ثالثة من فاعل { تَخْرُجْ } فيكون المعنى : وأدخل يا موسى يدك فى جيبك تخرج حالة كونها بيضاء .
وحالة كونها من غير سوء ، وحالة كونها مندرجة أو معدودة فى ضمن تسع آيات زودناك بها ، لتكون معجزات لك أمام فرعون وقومه ، على أنك صادق فيما تبلغه عن ربك .
قال الجمل " وقوله : { فِي تِسْعِ آيَاتٍ } فيه وجوه : أحدها : أنه حال ثالثة يعنى من فاعل تخرج ، أى : آية فى تسع آيات .
الثانى : أنه متعلق بمحذوف أى : اذهب فى تسع آيات . . . " .
والمراد بالآيات التسع التى أعطاها الله - تعالى - لموسى - عليه السلام - : العصا ، واليد ، والسنون ، والبحر ، والطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم . كما جاء ذلك عن ابن عباس ومجاهد وقتادة وغيرهم .
وقد جاء الحديث عن هذه الآيات فى مواضع أخرى من القرآن الكريم منها قوله - تعالى - : { فألقى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَآءُ لِلنَّاظِرِينَ } وقوله - سبحانه - : { وَلَقَدْ أَخَذْنَآ آلَ فِرْعَونَ بالسنين وَنَقْصٍ مِّن الثمرات لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } وقوله - عز وجل - : { فَأَوْحَيْنَآ إلى موسى أَنِ اضرب بِّعَصَاكَ البحر فانفلق فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كالطود العظيم } وقال - تعالى - : { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم . . . } وتحديد الآيات بالتسع ، لا ينفى أن هناك معجزات أخرى ، أعطاها الله - تعالى - لموسى - عليه السلام - إذ من المعروف عند علماء الأصول أن تحديد العدد بالذكر ، لا يدل على نفى الزائد عنه .
قال ابن كثير : " ولقد أوتى موسى - عليه السلام - آيات أخرى كثيرة ، منها ضربه الحجر بالعصا ، وخروج الماء منه . . . وغير ذلك . مما أوتيه بنو إسرائيل بعد خروجهم من مصر . ولكن ذكر هنا هذه الآيات التسع التى شاهدها فرعون وقومه ، وكانت حجة عليهم فخالفوها وعاندوها كفراً وجحوداً .
وقوله - تعالى - : { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ } استئناف مسوق لبيان سبب إرسال موسى إلى فرعون وقومه .
أى : هذه الآيات التسع أرسلناك بها يا موسى إلى فرعون وقومه ، لأنهم كانوا قوما فاسقين عن أمرنا ، وخارجين على شرعنا ، وعابدين لغيرنا من مخلوقاتنا .
والآن وقد اطمأن موسى وقر ، يجهزه ربه بالمعجزة الثانية ، قبل أن يكشف له عن جهة الرسالة ووجهة التكليف :
( وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء ) . .
وكان هذا . وأدخل موسى يده في فتحة ثوبه - وهي جيبه - فخرجت بيضاء مشرقة لا عن مرض ، ولكن عن معجزة . ووعده ربه أن يؤيده بتسع آيات من هذا النوع الذي شاهد منه اثنتين ؛ وكشف له حينئذ عن وجهته التي من أجلها دعاه وجهزه ورعاه !
( في تسع آيات إلى فرعون وقومه . إنهم كانوا قوما فاسقين ) . .
ولم يعدد هنا بقية هذه الآيات التسع ، التي كشف عنها في سورة الأعراف . وهي سنون الجدب ، ونقص الثمرات ، الطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم . لأن التركيز هنا على قوة الآيات لا على ماهيتها . وعلى وضوحها وجحود القوم لها :
{ وأدخل يدك في جيبك } لأنه كان بمدرعة صوف لا كم لها . وقيل الجيب القميص لأنه يجاب أي يقطع . { تخرج بيضاء من غير سوء } آفة كبرص . { في تسع آيات } في جملتها أو معها على أن التسع هي ، الفلق ، والطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم ، والطمسة ، والجدب في بواديهم ، والنقصان في مزارعهم ولمن عد العصا واليد من التسع أن يعد الأخيرين واحدا ولا يعد الفلق لأنه لم يبعث به إلى فرعون . أو اذهب في تسع آيات على أنه استئناف بالإرسال فيتعلق به . { إلى فرعون وقومه } وعلى الأولين يتعلق بنحو مبعوثا أو مرسلا . { إنهم كانوا قوما فاسقين } تعليل للإرسال .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.