معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَٱلۡيَوۡمَ لَا يُؤۡخَذُ مِنكُمۡ فِدۡيَةٞ وَلَا مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۚ مَأۡوَىٰكُمُ ٱلنَّارُۖ هِيَ مَوۡلَىٰكُمۡۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ} (15)

قوله تعالى : { فاليوم لا يؤخذ منكم فدية } قرأ أبو جعفر ، وابن عامر ، ويعقوب : تؤخذ بالتاء ، وقرأ الآخرون بالياء ، { فدية } بدل وعوض بأن تفدوا أنفسكم من العذاب ، { ولا من الذين كفروا } ، يعني المشركين ، { مأواكم النار هي مولاكم } صاحبكم وأولى بكم ، لما أسلفتم من الذنوب ، { وبئس المصير } .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَٱلۡيَوۡمَ لَا يُؤۡخَذُ مِنكُمۡ فِدۡيَةٞ وَلَا مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۚ مَأۡوَىٰكُمُ ٱلنَّارُۖ هِيَ مَوۡلَىٰكُمۡۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ} (15)

{ فاليوم لاَ يُؤْخَذُ مِنكُمْ } أيها المنافقون { فِدْيَةٌ } وهى ما يبذل من أجل افتداء النفس من العذاب .

{ وَلاَ مِنَ الذين كَفَرُواْ } أى : ولا يؤخذ - أيضا - من الذين كفروا ظاهرا وباطنا فداء .

{ مَأْوَاكُمُ } جميعا { النار } . أى : المكان الذى تستقرون فيه ، هو النار .

{ هِيَ مَوْلاَكُمْ } أى : هذه النار هى أولى بكم من غيرها .

والأصل هى مكانكم الذى يقال فيه أولى بكم .

ويجوز أن يكون المعنى : هذه النار : هى ناصركم ، من باب التهكم بهم ، على حد قول الشاعر : تحية بينهم ضرب وجيع . . . أى : لا ناصر لكم إلا النار .

والمراد نفى الناصر لهم على سبيل القطع ، بعد نفى أخذ الفدية منهم .

قال صاحب الكشاف : قوله : { هِيَ مَوْلاَكُمْ } قيل : هى أولى بكم . . . وحقيقة مولاكم ، أى : مكانكم الذى يقال فيه هو أولى بكم كما قيل هو مئنة للكرم ، أى مكان لقول القائل إنه لكريم .

ويجوز أن يراد : هى ناصركم . أى ، لا ناصر لكم غيرها . والمراد : نفى الناصر على البتات ، ونحوه قولهم أصيب فلان بكذا فاستنصر بالجزع . ومنه قوله - تعالى - { وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٍ كالمهل } وقيل : هى مولاكم ، أى تتولاكم كما توليتم فى الدنيا أعمال أهل النار .

وعطف - سبحانه - الذين كفروا على المنافقين فى عدم قبول الفدية ، لاتحادهم فى التكذيب بيوم الدين ، وفى الاستهزاء بالحق الذى جاءهم من عند الله - تعالى - .

والمخصوص بالذم فى قوله - تعالى - : { وَبِئْسَ المصير } محذوف والتقدير : وبئس المصير جهنم التى هى المكان الذى تصيرون إليه .

فأنت ترى أن المؤمنين قد بينوا للمنافقين ، أنهم يوافقونهم على أنهم كانوا معهم فى الدنيا .

ولكن الذى أدى بهؤلاء المنافقين إلى هذا المصير الليم هو : فتنة أنفسهم ، والتربص بالمؤمنين ، والارتياب فى صدق الرسول - صلى الله عليه وسلم - والاغترار بخداع الشيطان . . . فما نزل بهم من عذاب إنما هو بسبب أفعالهم القبيحة .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَٱلۡيَوۡمَ لَا يُؤۡخَذُ مِنكُمۡ فِدۡيَةٞ وَلَا مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۚ مَأۡوَىٰكُمُ ٱلنَّارُۖ هِيَ مَوۡلَىٰكُمۡۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ} (15)

" ثم يستطرد المؤمنين في التذكير والتقرير ، كأنما هم أصحاب الموقف المحكمون فيه : "

( فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا ، مأواكم النار هي مولاكم وبئس المصير ) . . أم لعلها كلمة الملأ الأعلى ، أو نطق الله الكريم . .

" وننظر من ناحية التناسق الفني في عرض المشهد ، فنجد لاختيار مشهد النور في هذا الموضع بالذات حكمة خاصة . . إن الحديث هنا عن المنافقين والمنافقات . . والمنافقون والمنافقات يخفون باطنهم ويتظاهرون بغير ما في الضمير المكنون ، ويعيشون في ظلام من النفاق والدس والوقيعة . والنور يكشف المخبوء ويفضح المستور . كما أن الصفحة المقابلة الوضيئة لصفحة النفاق المظلمة المطموسة . فهو أليق شيء بأن تطلق أشعته على المشهد الكبير . وبأن ينير بين أيدي المؤمنين والمؤمنات وبأيمانهم ، بينما المنافقون في الظلام الذي يناسب ظلمات الضمير وظلمات الخفاء المستور ! "

وبعد فأي قلب لا يهفو لذلك النور في ذلك اليوم ? وأي قلب لا يستجيب لهتاف الإنفاق والبذل تحت إيقاع تلك الموحيات العميقة التأثير ?

إنه القرآن يعالج القلوب في ثبات واطراد ، ويدعوها دعاء العليم الخبير بطبيعتها ومداخلها ومساربها ؛ وما تستجيب له وما يؤثر فيها .

والشوط الثاني في السورة استطراد في الدعاء ، ومزيد من موحيات الاستجابة ، على هذا المنهج ، وفي هذا الطريق . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَٱلۡيَوۡمَ لَا يُؤۡخَذُ مِنكُمۡ فِدۡيَةٞ وَلَا مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۚ مَأۡوَىٰكُمُ ٱلنَّارُۖ هِيَ مَوۡلَىٰكُمۡۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ} (15)

{ فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا }أي : لو جاء أحدكم اليوم بملء الأرض ذهبًا ومثله معه ليفتدى به من عذاب الله ، ما قبل منه .

وقوله : { مَأْوَاكُمُ النَّارُ } أي : هي مصيركم وإليها منقلبكم .

وقوله : { هِيَ مَوْلاكُمْ } أي : هي أولى بكم من كل منزل على كفركم وارتيابكم ، وبئس المصير .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَٱلۡيَوۡمَ لَا يُؤۡخَذُ مِنكُمۡ فِدۡيَةٞ وَلَا مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۚ مَأۡوَىٰكُمُ ٱلنَّارُۖ هِيَ مَوۡلَىٰكُمۡۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ} (15)

قوله تعالى : { فاليوم لا يؤخذ } استمرار في مخاطبة المنافقين . قاله قتادة وغيره : وروي في معنى قوله : { ولا من الذين كفروا } حديث ، وهو أن الله تعالى يقرر الكافرين فيقول له : أرأيتك لو كان لك أضعاف الدنيا أكنت تفتدي بجميع ذلك من عذاب النار ؟ فيقول : نعم يا رب ، فيقول الله تعالى : قد سألتك ما هو أيسر من هذا وأنت في صلب أبيك آدم أن لا تشرك بي فأبيت إلا الشرك{[10974]} .

وقرأ جمهور القراء والناس : «يؤخذ » بالياء من تحت . وقرأ أبو جعفر القارئ : «تؤخذ » بالتاء من فوق ، وهي قراءة ابن عامر في رواية هشام عنه ، وهي قراءة الحسن وابن أبي إسحاق والأعرج

وقوله : { هي مولاكم } قال المفسرون معناه : هي أولى بكم ، وهذا تفسير بالمعنى ، وإنما هي استعارة ، لأنها من حيث تضمنهم وتباشرهم هي تواليهم وتكون لهم مكان المولى ، وهذا نحو قول الشاعر [ عمرو بن معد يكرب ] : [ الوافر ]

. . . . . . . . . . . . . . . . تحية بينهم ضرب وجميع{[10975]}


[10974]:أخرجه البخاري في الأنبياء والرقاق، ومسلم في المنافقين، وأحمد في مسنده(3-129)، ولفظه فيه: عن أبي عمران الجوني قال: سمعت أنس بن مالك يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:(يقول الله عز وجل لأهون أهل النار عذابا: لو أن لك ما في الأرض من شيء كنت تفتدي به؟ فيقول: نعم، فيقول: قد أردت منك ما هو أهون من هذا وأنت في صلب آدم، ألا تشرك بي فأبيت إلا أن تشرك بي).
[10975]:هذا عجز بيت مشهور عن النحويين واللغويين، وقد قاله عمرو بن معد يكرب، ويشكك صاحب الخزانة في دلك، والبيت بتمامه: وخيل قد دلفت لها بخيل تحية بينهم ضرب وجيع وهو في خزانة الأدب، والكتاب لسيبويه، والخصائص، والعمدة، والتصريح، والمرزوقي، وابن يعيش، ونوادر أبي زيد، والخيل: الفرسان، ودلفت: زحفت، وجيع: موجع، يقول: إذا تلاقوا في الحرب جعلوا الضرب الموجع بينهم بدلا من تحية بعضهم لبعض، والشاهد فيه جعل الضرب تحية على سبيل الاستعارة.