السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{فَٱلۡيَوۡمَ لَا يُؤۡخَذُ مِنكُمۡ فِدۡيَةٞ وَلَا مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۚ مَأۡوَىٰكُمُ ٱلنَّارُۖ هِيَ مَوۡلَىٰكُمۡۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ} (15)

{ فاليوم } أي : بسبب أفعالكم تلك { لا يؤخذ منكم فدية } أي : نوع من أنواع الفداء وهو البدل والعوض للنفس على أي حال كان من قلة أو كثرة لأنّ الإله غني وقد فات محل العمل الذي شرعه لكم لانقياد أنفسكم ، وقرأ ابن عامر بالتاء الفوقية على التأنيث والباقون بالتحتية على التذكير { ولا من الذين كفروا } أي : الذين أظهروا كفرهم ولم يستروه كما سترتموه أنتم لمساواتكم لهم في الكفر ، وإنما عطف الكافر على المنافق وإن كان المنافق كافراً في الحقيقة لأنّ المنافق أبطن الكفر والكافر أظهره فصار غير المنافق فحسن عطفه على المنافق { مأواكم النار } أي : منزلكم ومسكنكم لا مقر لكم غيرها تحرقكم كما كنتم تحرقون قلوب الأولياء بإقبالكم على الشهوات وإضاعة حقوق ذوي الحاجات ، وقرأ حمزة والكسائي بالإمالة محضة ، وقرأ ورش بالفتح وبين اللفظين ، والباقون بالفتح ، وورش لا يبدل هذه الهمزة ثم أكد ذلك بقوله تعالى : { هي } أي : لا غيرها { مولاكم } أي : هي أولى بكم وأنشد قول لبيد :

فغدت كلا الفرجين تحسب أنه *** مولى المخافة خلفها وأمامها

والشاهد في مولى المخافة فمولى بمعنى أولى والفرجان الجانبان وهو الخلف والقدام وهو وصف بقرة وحشية أي : غدت على حالة كلا جانبيها مخوف وحقيقته في الآية محراكم بحاء مهملة وراء أي : مكانكم الذي يقال فيه هو أولى بكم كما قيل هو مئنة للكرم أي : مكان ، كقول القائل : إنه لكريم ، ويجوز أن يراد هي ناصركم ، أي : لا ناصر لكم غيرها ، والمراد : نفي الناصر على البنات ، وقيل : تتولاكم كما توليتم في الدنيا أعمال أهل النار .

ولما كان التقدير بئس المولى هي عطف عليه قوله تعالى : { وبئس المصير } أي : هذه النار .