اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَٱلۡيَوۡمَ لَا يُؤۡخَذُ مِنكُمۡ فِدۡيَةٞ وَلَا مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۚ مَأۡوَىٰكُمُ ٱلنَّارُۖ هِيَ مَوۡلَىٰكُمۡۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ} (15)

قوله : «فَاليَوْمَ » منصوب ب «يؤخذ » ، ولا يبالي ب «لا » النافية ، وهو قول الجمهور{[55337]} وقد تقدم آخر «الفاتحة » ثلاثة أقوال . وقرأ ابن عامر{[55338]} : «تؤخذ » بالتأنيث للفظ الفدية .

والباقُون : بالياء من تحت ؛ لأن التأنيث مجازي .

فصل في المراد بالفدية

قوله : { فاليوم لا يؤخذ منكم فدية } أيها المنافقون ، { ولا من الذين كفروا } أي : أيأسهم من النَّجاة . والمراد بالفدية قيل : لا يقبل منكم إيمان ، ولا توبة ؛ لأن التكليف قد زال وحصل الإلحاد .

وقيل : لا يقبل منكم فدية تدفعون بها العذاب عن أنفسكم كقوله تعالى : { وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ } [ البقرة : 123 ] ، والفدية : ما يفتدى به ، فهو يتناول الإيمان والتوبة والمال .

قال ابن الخطيب{[55339]} : وهذا يدلُّ على أن قبُول التَّوبة غير واجب عقلاً على ما يقوله المعتزلة ؛ لأنه - تعالى - بين أنه لا يقبل الفدية أصلاً ، والتوبة فدية ، فتكون الآية دالة على أنَّ التوبة غير مقبولة أصلاً ، وإذا كان كذلك لم تكن التوبة واجبة القبول عقلاً .

قوله : { وَلاَ مِنَ الذين كَفَرُواْ } .

عطف الكافر على المنافق ، والعطف يقتضي المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه ، فيقتضي أن يكون المنافق كافراً ؟ .

وأجيب بأن المراد منه الذين أظهروا الكفر ، وإلاَّ فالمنافق كافر .

قوله : { مَأْوَاكُمُ النار } أي : هي مصيركم .

وقوله : { هِيَ مَوْلاَكُمْ } يجوز أن يكون مصدراً أي : ولايتكم ، أي : ذات ولايتكم .

قال القرطبي{[55340]} : «تملك أمرهم ، بمعنى أن الله - تعالى - يركب فيها الحياة والعقل ، فهي تتميز غيظاً على الكُفَّار ، ولهذا خوطبت في قوله تعالى : { يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امتلأت وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ } [ ق : 30 ] .

ويجوز أن يكون مكاناً ، أي : مكان ولايتكم ، وأن يكون بمعنى أولى بكم ، كقوله تعالى : { هِيَ مَوْلاَكُمْ } قاله الكلبي ، وهو قول الزجاج والفراء وأبي عبيدة » .

قال ابن الخطيب{[55341]} : وهذا الذي قالوه معنى ، وليس تفسيراً للفظ ، لأنه لو كان «مولى وأولى » بمعنى واحد في اللغة لصحّ استعمال كل واحد منهما مكان الآخر ، وكان يجب أن يصحّ أن يقال : هذا أولى فلان ، كما يقال : مولى فلان ، ولما بطل ذلك علمنا أن الذي قالوه معنًى ، وليس بتفسير ، وإنما نبَّهنا على هذه الدقيقة ؛ لأن الشريف المرتضى لما تمسك في إمامة علي - رضي الله عنه - بقوله صلى الله عليه وسلم : «مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فعليٌّ مَولاهُ »{[55342]} قال : أحد معاني «مولى » أنه أولى . واحتج في ذلك بأقوال أئمة اللغة في تفسير هذه الآية ، بأن «مولى » معناه «أولى » إذا ثبت أن اللفظ محتمل له وجب حمله عليه ؛ لأن ما عداه إمَّا بَيِّنُ الثبوت ككونه ابن العم والنَّاصر ، أو بَيِّنُ الانتفاء كالمعتِق ، والمعتَق ، فيكون على التقدير الأول عبثاً ، وعلى الثاني كذباً .

قال ابن الخطيب{[55343]} رحمه الله : وأما نحن فقد بيَّنا بالدليل أن قول هؤلاء في هذا الموضع معنى لا تفسير ، وحينئذ يسقط الاستدلال به .

وفي الآية وجه آخر ، وهو أن معنى قوله : «هي مولاكم » أي : لا مولى لكم ؛ لأن من كانت النار مولاه ، فلا مولى له ، كما يقال : ناصره الخذلان ومعينه البكاء ، أي : لا ناصر له ولا معين ، وهذا متأكد بقوله تعالى : { وَأَنَّ الكافرين لاَ مولى لَهُمْ } [ محمد : 11 ] ، ومنه قوله تعالى : { يُغَاثُواْ بِمَاءٍ كالمهل } [ الكهف : 29 ] .

وقوله : { وَبِئْسَ المصير } أي : هي ، ومعناه{[55344]} : ساءت مرجعاً ومصيراً .


[55337]:ينظر: الدر المصون 6/277.
[55338]:ينظر: إعراب القراءات السبع 2/352، وحجة القراءات 700، والعنوان 186، وشرح شعلة 598، وشرح الطيبة 6/40، وإتحاف 2/521.
[55339]:التفسير الكبير 29/198.
[55340]:الجامع لأحكام القرآن 17/161.
[55341]:التفسير الكبير 29/198.
[55342]:أخرجه النسائي في خصائص علي (ص 15) وأحمد (3/109) والحاكم (3/109) وابن حبان (2205 – موارد) وابن أبي عاصم في السنة (1365) والطبراني (4969، 4970) من طرق عن زيد بن أرقم. وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وصححه ابن حبان. وفي الباب عن جماعة من الصحابة تنظر أحاديثهم في مجمع الزوائد (9/107) وسلسلة الأحاديث الصحيحة (4/330). وقد خرجنا جميع أحاديث هؤلاء في تعليقنا على كتاب الكامل لابن عدي.
[55343]:التفسير الكبير 29/199.
[55344]:ينظر: القرطبي 17/161.