قوله : «فَاليَوْمَ » منصوب ب «يؤخذ » ، ولا يبالي ب «لا » النافية ، وهو قول الجمهور{[55337]} وقد تقدم آخر «الفاتحة » ثلاثة أقوال . وقرأ ابن عامر{[55338]} : «تؤخذ » بالتأنيث للفظ الفدية .
والباقُون : بالياء من تحت ؛ لأن التأنيث مجازي .
قوله : { فاليوم لا يؤخذ منكم فدية } أيها المنافقون ، { ولا من الذين كفروا } أي : أيأسهم من النَّجاة . والمراد بالفدية قيل : لا يقبل منكم إيمان ، ولا توبة ؛ لأن التكليف قد زال وحصل الإلحاد .
وقيل : لا يقبل منكم فدية تدفعون بها العذاب عن أنفسكم كقوله تعالى : { وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ } [ البقرة : 123 ] ، والفدية : ما يفتدى به ، فهو يتناول الإيمان والتوبة والمال .
قال ابن الخطيب{[55339]} : وهذا يدلُّ على أن قبُول التَّوبة غير واجب عقلاً على ما يقوله المعتزلة ؛ لأنه - تعالى - بين أنه لا يقبل الفدية أصلاً ، والتوبة فدية ، فتكون الآية دالة على أنَّ التوبة غير مقبولة أصلاً ، وإذا كان كذلك لم تكن التوبة واجبة القبول عقلاً .
قوله : { وَلاَ مِنَ الذين كَفَرُواْ } .
عطف الكافر على المنافق ، والعطف يقتضي المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه ، فيقتضي أن يكون المنافق كافراً ؟ .
وأجيب بأن المراد منه الذين أظهروا الكفر ، وإلاَّ فالمنافق كافر .
قوله : { مَأْوَاكُمُ النار } أي : هي مصيركم .
وقوله : { هِيَ مَوْلاَكُمْ } يجوز أن يكون مصدراً أي : ولايتكم ، أي : ذات ولايتكم .
قال القرطبي{[55340]} : «تملك أمرهم ، بمعنى أن الله - تعالى - يركب فيها الحياة والعقل ، فهي تتميز غيظاً على الكُفَّار ، ولهذا خوطبت في قوله تعالى : { يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امتلأت وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ } [ ق : 30 ] .
ويجوز أن يكون مكاناً ، أي : مكان ولايتكم ، وأن يكون بمعنى أولى بكم ، كقوله تعالى : { هِيَ مَوْلاَكُمْ } قاله الكلبي ، وهو قول الزجاج والفراء وأبي عبيدة » .
قال ابن الخطيب{[55341]} : وهذا الذي قالوه معنى ، وليس تفسيراً للفظ ، لأنه لو كان «مولى وأولى » بمعنى واحد في اللغة لصحّ استعمال كل واحد منهما مكان الآخر ، وكان يجب أن يصحّ أن يقال : هذا أولى فلان ، كما يقال : مولى فلان ، ولما بطل ذلك علمنا أن الذي قالوه معنًى ، وليس بتفسير ، وإنما نبَّهنا على هذه الدقيقة ؛ لأن الشريف المرتضى لما تمسك في إمامة علي - رضي الله عنه - بقوله صلى الله عليه وسلم : «مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فعليٌّ مَولاهُ »{[55342]} قال : أحد معاني «مولى » أنه أولى . واحتج في ذلك بأقوال أئمة اللغة في تفسير هذه الآية ، بأن «مولى » معناه «أولى » إذا ثبت أن اللفظ محتمل له وجب حمله عليه ؛ لأن ما عداه إمَّا بَيِّنُ الثبوت ككونه ابن العم والنَّاصر ، أو بَيِّنُ الانتفاء كالمعتِق ، والمعتَق ، فيكون على التقدير الأول عبثاً ، وعلى الثاني كذباً .
قال ابن الخطيب{[55343]} رحمه الله : وأما نحن فقد بيَّنا بالدليل أن قول هؤلاء في هذا الموضع معنى لا تفسير ، وحينئذ يسقط الاستدلال به .
وفي الآية وجه آخر ، وهو أن معنى قوله : «هي مولاكم » أي : لا مولى لكم ؛ لأن من كانت النار مولاه ، فلا مولى له ، كما يقال : ناصره الخذلان ومعينه البكاء ، أي : لا ناصر له ولا معين ، وهذا متأكد بقوله تعالى : { وَأَنَّ الكافرين لاَ مولى لَهُمْ } [ محمد : 11 ] ، ومنه قوله تعالى : { يُغَاثُواْ بِمَاءٍ كالمهل } [ الكهف : 29 ] .
وقوله : { وَبِئْسَ المصير } أي : هي ، ومعناه{[55344]} : ساءت مرجعاً ومصيراً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.