مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{فَٱلۡيَوۡمَ لَا يُؤۡخَذُ مِنكُمۡ فِدۡيَةٞ وَلَا مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۚ مَأۡوَىٰكُمُ ٱلنَّارُۖ هِيَ مَوۡلَىٰكُمۡۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ} (15)

ثم قال تعالى : { فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا } .

الفدية ما يفتدى به وهو قولان :

الأول : لا يؤخذ منكم إيمان ولا توبة فقد زال التكليف وحصل الإلجاء .

الثاني : بل المراد لا يقبل منكم فدية تدفعون بها العذاب عن أنفسكم ، كقوله تعالى : { ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة } ، واعلم أن الفدية ما يفتدى به فهو يتناول الإيمان والتوبة والمال ، وهذا يدل على أن قبول التوبة غير واجب عقلا على ما تقوله المعتزلة لأنه تعالى بين أنه لا يقبل الفدية أصلا والتوبة فدية ، فتكون الآية دالة على أن التوبة غير مقبولة أصلا ، وإذا كان كذلك لم تكن التوبة واجبة القبول عقلا أما قوله : { ولا من الذين كفروا } ففيه ( بحث ) : وهو عطف الكافر على المنافق يقتضي أن لا يكون المنافق كافرا لوجوب حصول المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه ( والجواب ) : المراد الذين أظهروا الكفر وإلا فالمنافق كافر .

ثم قال تعالى : { مأواكم النار هي مولاكم وبئس المصير } .

وفي لفظ المولى هاهنا أقوال : ( أحدها ) قال ابن عباس : { مولاكم } أي مصيركم ، وتحقيقه أن المولى موضع الولي ، وهو القرب ، فالمعنى أن النار هي موضعكم الذي تقربون منه وتصلون إليه ، ( والثاني ) : قال الكلبي : يعني أولى بكم ، وهو قول الزجاج والفراء وأبي عبيدة ، واعلم أن هذا الذي قالوه معنى وليس بتفسير للفظ ، لأن لو كان مولى وأولى بمعنى واحد في اللغة ، لصح استعمال كل واحد منهما في مكان الآخر ، فكان يجب أن يصح أن يقال : هذا مولى من فلان كما يقال : هذا أولى من فلان ، ويصح أن يقال : هذا أولى فلان كما يقال : هذا مولى فلان ، ولما بطل ذلك علمنا أن الذي قالوه معنى وليس بتفسير ، وإنما نبهنا على هذه الدقيقة لأن الشريف المرتضى لما تسمك بإمامة علي ، بقوله عليه السلام : « من كنت مولاه فعلي مولاه » قال : أحد معاني مولى أنه أولى ، واحتج في ذلك بأقوال أئمة اللغة في تفسير هذه الآية ، بأن مولى معناه أولى ، وإذا ثبت أن اللفظ محتمل له وجب حمله عليه ، لأن ما عداه إما بين الثبوت ، ككونه ابن العم والناصر ، أو بين الانتفاء ، كالمعتق والمعتق ، فيكون على التقدير الأول عبثا ، وعلى التقدير الثاني كذبا ، وأما نحن فقد بينا بالدليل أن قول هؤلاء في هذا الموضع معنى لا تفسير ، وحينئذ يسقط الاستدلال به ، وفي الآية وجه آخر : وهو أن معنى قوله : { هي مولاكم } أي لا مولى لكم ، وذلك لأن من كانت النار مولاه فلا مولى له ، كما يقال : ناصره الخذلان ومعينه البكاء ، أي لا ناصر له ولا معين ، وهذا الوجه متأكد بقوله تعالى : { وأن الكافرين لا مولى لهم } ومنه قوله تعالى : { يغاثوا بماء كالمهل } .