معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَمَا زَالَت تِّلۡكَ دَعۡوَىٰهُمۡ حَتَّىٰ جَعَلۡنَٰهُمۡ حَصِيدًا خَٰمِدِينَ} (15)

قوله تعالى : { فما زالت تلك دعواهم } أي تلك الكلمة وهي قولهم يا ويلنا دعاؤهم يدعون بها ويرددونها { حتى جعلناهم حصيدا } بالسيوف كما يحصد الزرع { خامدين } ميتين .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَمَا زَالَت تِّلۡكَ دَعۡوَىٰهُمۡ حَتَّىٰ جَعَلۡنَٰهُمۡ حَصِيدًا خَٰمِدِينَ} (15)

واسم الإشارة فى قوله - تعالى - : { فمَا زَالَت تِلْكَ دَعْوَاهُمْ } يعود إلى الكلمات التى قالوها على سبيل التحسر عندما يئسوا من الخلاص والهرب ، وتأكدوا من الهلاك ، وهى قولهم : { ياويلنآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ } .

أى : فما زالوا يرددون تلك الكلمات بتفجع وتحسر واستعطاف .

وسميت هذه الكلمات دعوى ، لأن المولول كأنه يدعو الويل قائلا : أيها الويل هذا أوانك فأقبل نحوى .

وقوله : { حتى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً خَامِدِينَ } بيان لما آل إليه حالهم .

وخامدين : من الخمود بمعنى الهمود والانطفاء والانتهاء . يقال : حمدت النار تخمد خمدا وخمودا ، إذا سكن لهيبها ، وانطفأ شررها .

أى : فما زالت تلك كلماتهم حتى جعلناهم فى الهمود والهلاك كالنبات المحصود بالمناجل ، وكالنار الخامدة بعد اشتعالها .

وهكذا تكون عاقبة الظالمين . وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَمَا زَالَت تِّلۡكَ دَعۡوَىٰهُمۡ حَتَّىٰ جَعَلۡنَٰهُمۡ حَصِيدًا خَٰمِدِينَ} (15)

ولكن لقد فات الأوان . فليقولوا ما يشاءون . فإنهم لمتروكون يقولون حتى يقضى الأمر وتخمد الأنفاس :

( فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيدا خامدين ) .

ويا له من حصيد آدمي ، لا حركة فيه ولا حياة ؛ وكان منذ لحظة يموج بالحركة ، وتضطرب فيه الحياة !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَمَا زَالَت تِّلۡكَ دَعۡوَىٰهُمۡ حَتَّىٰ جَعَلۡنَٰهُمۡ حَصِيدًا خَٰمِدِينَ} (15)

{ فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ } أي : ما{[19601]} زالت تلك المقالة ، وهي الاعتراف بالظلم ، هِجيراهم حتى حصدناهم حصدًا{[19602]} وخمدت حركاتهم وأصواتهم خمودًا .


[19601]:- في ف : "فما".
[19602]:- في ف ، أ : "جعلناهم حصيدا خامدين".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَمَا زَالَت تِّلۡكَ دَعۡوَىٰهُمۡ حَتَّىٰ جَعَلۡنَٰهُمۡ حَصِيدًا خَٰمِدِينَ} (15)

القول في تأويل قوله تعالى : { قَالُواْ يَوَيْلَنَآ إِنّا كُنّا ظَالِمِينَ * فَمَا زَالَت تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتّىَ جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً خَامِدِينَ } .

يقول تعالى ذكره : قال هؤلاء الذين أحلّ الله بهم بأسه بظلمهم لما نزل بهم بأس الله : يا ويلنا إنا كنا ظالمين بكفرنا بربنا فما زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ يقول : فلم تزل دعواهم ، حين أتاهم بأس الله ، بظلمهم أنفسهم : يا وَيْلَنا إنّا كُنّا ظالِمِينَ حتى قتلهم الله ، فحصدهم بالسيف كما يُحْصَد الزرع ويستأصل قَطْعا بالمناجل . وقوله : خامِدِينَ يقول : هالكين قد انطفأت شرارتهم ، وسكنت حركتهم ، فصاروا همودا كما تخمد النار فتطفأ .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بِشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ . . . الاَية . فلما رأوا العذاب وعاينوه لم يكن لَهُمْ هِجّيرَي إلا قولهم : يا وَيْلَنا إنّا كُنّا ظالِمِينَ حتى دمّر الله عليهم وأهلكهم .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : قالُوا يا وَيْلَنا إنّا كُنّا ظالِمِينَ فمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حتى جَعَلْناهُمْ حَصِيدا خامِدِينَ يقول : حتى هلكوا .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال ابن عباس : حَصِيدا الحصاد . خامدين خمود النار إذا طفئت .

حدثنا سعيد بن الربيع ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : إنهم كانوا أهل حصون ، وإن الله بعث عليهم بختنصر ، فبعث إليهم جيشا فقتلهم بالسيف ، وقتلوا نبيّا لهم فحُصِدوا بالسيف وذلك قوله : فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حتى جَعَلْناهُمْ حَصِيدا خامِدِينَ بالسيف .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَمَا زَالَت تِّلۡكَ دَعۡوَىٰهُمۡ حَتَّىٰ جَعَلۡنَٰهُمۡ حَصِيدًا خَٰمِدِينَ} (15)

و { دعواهم } معناه دعاؤهم وكلامهم أي لم ينطقوا بغير التأسف ، والحصيد يشبه بحصيد الزرع المنجل الذي ردهم الهلاك كذلك ، و { خامدين } أي موتى دون أزواج مشبهين بالنار إذا طفيت .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَمَا زَالَت تِّلۡكَ دَعۡوَىٰهُمۡ حَتَّىٰ جَعَلۡنَٰهُمۡ حَصِيدًا خَٰمِدِينَ} (15)

تفريع على جملة { قالوا يا ويلنا إنا كنا ظالمين } [ الأنبياء : 14 ] ، فاسم { تلك } إشارة إلى القول المستفاد من قوله تعالى { قالوا يا ويلنا } [ الأنبياء : 14 ] ، وتأنيثه لأنه اكتسب التأنيث من الإخبار عنه بدعواهم ، أي ما زالوا يكررون تلك الكلمة يَدعون بها على أنفسهم .

وهذا الوجه يرجح التفسير الأول لمعنى قوله تعالى { لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه } [ الأنبياء : 13 ] لأن شأن الأقوال التي يقولها الخائف أن يكررها إذ يغيب رأيه فلا يهتدي للإتيان بكلام آخر ، بخلاف الكلام المسوق جواباً فإنه لا داعي إلى إعادته .

والمعنى : فما زالوا يكررون مقالتهم تلك حتى هلكوا عن آخرهم .

وسمي ذلك القول دعوى لأن المقصود منه هو الدعاء على أنفسهم بالويل ، والدعاء يسمى دعوى كما في قوله تعالى { دعواهم فيها سبحانك اللهم } في [ سورة يونس : 10 ] . أي فما زال يُكرر دعاؤهم بذلك فلم يكفّوا عنه إلى أن صيرناهم كالحصيد ، أي أهلكناهم .

وحرف { حتى } مؤذن بنهاية ما اقتضاه قوله تعالى { فما زالت تلك دعواهم } .

والحصيد : فعيل بمعنى مفعول ، أي المحصود ، وهذه الصيغة تلازم الإفراد والتذكير إذا جرت على الموصوف بها كما هنا .

والحَصد : جَزُّ الزرع والنبات بالمنجل لا باليد . وقد شاع إطلاق الحصيد على الزرع المحصود بمنزلة الاسم الجامد .

والخامد : اسم فاعل من خَمدت النار تخمُد بضم الميم إذا زال لهيبها .

شُبهوا بزرع حُصِد ، أي بعد أن كان قائماً على سوقه خضرا ، فهو يتضمن قبل هلاكهم بزرع في حسن المنظر والطلعة ، كما شبه بالزرع في قوله تعالى : { كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع } في سورة [ الفتح : 29 ] . ويقال للناشىء : أنبته الله نباتاً حسناً ، قال تعالى : { وأنبتها نباتاً حسناً } في سورة [ آل عمران : 37 ] . فللإشارة إلى الشبهين شَبَه البهجة وشبَه الهلك أوثر تشبيههم حين هلاكهم بالحَصيد .

وكذلك شبهوا حين هلاكهم بالنار الخامدة فتضمن تشبيههم قبل ذلك بالنار المشبوبة في القوة والبأس كما شبه بالنار في قوله تعالى : { كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله } في سورة [ المائدة : 64 ] ، وقوله تعالى : { مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً } في سورة [ البقرة : 17 ] . فحصل تشبيهان بليغان وليسا باستعارتين مكنيتين لأن ذكر المشبه فيهما مانع من تقوّم حقيقة الاستعارة خلافاً للعلاَّمتين التفتزاني والجرجاني في « شرحيهما للمفتاح » مُتمسكين بصيغة جمعهم في قوله تعالى { جعلناهم ، } فجَعَلا ذلك استعارتين مكنيتين إذ شبهوا بزرع حين انعدامه ونار ذهب قوتُها وحذف المشبهُ بهما ورُمز إليهما بلازم كل منهما وهو الحصد والخمود فكان { حصيداً } وصفاً في المعنى للضمير المنصوب في { جعلناهم ، } فالحصيد هنا وصف ليس منزلاً منزلة الجامد كالذي في قوله تعالى { وحَبّ الحصيد } [ ق : 9 ] ، وبذلك لم يكن قوله تعالى { حصيداً } من قبيل التشبيه البليغ إذ لم يشبهوا بحصيد زرع بل أثبت لهم أنهم محصودون استعارة مكنية مثل نظيره في قوله تعالى { خامدين } الذي هو استعارة لا محالة كما هو مقتضى مجيئه بصيغة الجمع المذكر ، ومبنى الاستعارة على تناسي التشبيه . وهذا تكلف منهما ولم أدر ماذا دعاهما إلى ارتكاب هذا التكلف .

وانتصب { حصيداً خامدين } على أن كليهما مفعول ثان مكرر لفعل الجَعل كما يخبر عن المبتدأ بخبرين وأكثر ، فإن مفعولي ( جعل ) أصلهما المبتدأ والخبر وليس ثانيهما وصفاً لأولهما كما هو ظاهر .