روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{فَمَا زَالَت تِّلۡكَ دَعۡوَىٰهُمۡ حَتَّىٰ جَعَلۡنَٰهُمۡ حَصِيدًا خَٰمِدِينَ} (15)

{ فَمَا زَالَت تِلْكَ } أي فما زالوا يرددون تلك الكلمة ، وتسميتها دعوى بمعنى الدعوة فإنه يقال دعا دعوى ودعوة لأن المولول كأنه يدعو الويل قائلاً يا ويل تعال فهذا أوانك .

وجوز الحوفي . والزمخشري . وأبو البقاء كون { طس تِلْكَ } اسم زال و { دَعْوَاهُمْ } خبرها والعكس ، قال أبو حيان : وقد قال ذلك قبلهم الزجاج وأما أصحابنا المتأخرون فعلى أن اسم كان وخبرها مشبه بالفاعل والمفعول فكما لا يجوز في الفاعل والمفعول التقدم والتأخر إذا أوقع ذلك في اللبس لعدم ظهور الإعراب لا يجوز في باب كان ولم ينازع فيه أحد إلا أبو العباس أحمد بن الحاج من نبهاء تلاميذ الشلوبين اه .

وقال الفاضل الخفاجي : إن ما ذكره ابن الحاج في كتاب المدخل أنه ليس فيه التباس وأنه من عدم الفرق بين الالتباس وهو أن يفهم منه خلاف المراد والإجمال وهو أن لا يتعين فيه أحد الجانبين . ولأجل هذا جوزه ، وما ذكره محل كلام وتدبر .

وفي حواشي الفاضل البهلوان على تفسير البيضاوي إن هذا في الفاعل والمفعول وفي المبتدأ والخبر إذا انتفى الإعراب ، والقرينة مسلم مصرح به ، وأما في باب كان وأخواتها فغير مسلم اه

والظاهر أنه لا فرق بين باب كان وغيرها مما ذكر وإن سلم عدم التصريح لاشتراك ما ذكروه علة للمنع ثم إن ذلك إلى الالتباس أقرب منه إلى الإجمال لا سيما في الآية في رأي فافهم { حتى جعلناهم حَصِيداً خامدين } أي إلى أن جعلناهم بمنزلة النبات المحصود والنار الخامدة في الهلاك قاله العلامة الثاني في «شرح المفتاح » ثم قال في ذلك استعارتان بالكناية بلفظ واحد وهو ضمير { جعلناهم } حيث شبه بالنبات وبالنار وأفرد بالذكر وأريد به المشبه بهما أعني النبات والنار ادعاءً بقرينة أنه نسب إليه الحصاد الذي هو من خواص النبات والخمود الذي هو من خواص النار ، ولا يجعل من باب التشبيه مثل هم صم بكم عمي لأن جمع { خامدين } جمع العقلاء ينافي التشبيه إذ ليس لنا قوم خامدون يعتبر تشبيه أهل القرية بهم إذ الخمود من خواص النار بخلاف الصمم مثلاً فإنه يجعل بمنزلة هم كقوم صم وكذا يعتبر { حَصِيداً } بمعنى محصودين على استواء الجمع والواحد في فعيل بمعنى مفعول ليلاً ثم { خامدين } نعم يجوز تشبيه هلاك القوم بقطع النبات وخمود النار فيكون استعارة تصريحية تبعية في الوصفين انتهى ، وكذا في «شرح المفتاح » للسيد السند بيد أنه جوز أن يجعل { حَصِيداً } فقط من باب التشبيه بناءً على ما في «الكشاف » أي جعلناهم مثل الحصيد كما تقول جعلناهم رماداً أي مثل الرماد ، وجعل غير واحد إفراد الحصيد لهذا التأويل فإن مثلاً لكونه مصدراً في الأصل يطلق على الواحد وغيره وهو الخبر حقيقة في التشبيه البليغ ويلزم على ذلك صحة الرجال أسد وهو كما ترى ، واعترض على قول الشارحين : إذ ليس لنا الخ بأن فيه بحثاً مع أن مدار ما ذكراه من كون { خامدين } لا يحتمل التشبيه جمعه جمع العقلاء المانع من أن يكون صفة للنار حتى لو قيل خامدة كان تشبيهاً ، وقد صرح به الشريف في حواشيه لكنه محل تردد لأنه لما صح الحمل في التشبيه ادعاء فلم لا يصح جمعه لذلك ولولاه لما صحت الاستعارة أيضاً وذهب العلامة الطيبي والفاضل اليمني إلى التشبيه في الموضعين ففي الآية أربعة احتمالات فتدبر جميع ذلك و { خامدين } مع حصيداً في حيز المفعول الثاني للجعل كجعلته حلواً حامضاً ، والمعنى جعلناهم جامعين للحصاد والخمود أو لمماثلة الحصيد والخامد أو لمماثلة الحصيد والخمود أو جعلناهم هالكين على أتم وجه فلا يرد أن الجعل نصب ثلاثة مفاعيل هنا وهو مما ينصب مفعولين أو هو حال من الضمير المنصوب في { جعلناهم } أو من المستكن في { حَصِيداً } أو هو صفة لحصيداً وهو متعدد معنى ، واعترض بعضهم بأن كونه صفة له مع كونه تشبيهاً أريد به ما لا يعقل يأباه كونه للعقلاء .