الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{فَمَا زَالَت تِّلۡكَ دَعۡوَىٰهُمۡ حَتَّىٰ جَعَلۡنَٰهُمۡ حَصِيدًا خَٰمِدِينَ} (15)

قوله : { فَمَا زَالَت تِلْكَ دَعْوَاهُمْ } : اسم " زالَتْ " " تلك " و " دعواهم " الخبرُ ، هذا هو الصواب . وقد قال الحوفي والزمخشري وأبو البقاء بجواز العكس . وهو مردودٌ بأنه إذا خَفِي الإِعرابُ مع استوائِهما في المُسَوِّغ لكونِ كلٍ منهما اسماً أو خبراً وَجَبَ جَعْلُ المتقدِّم اسماً والمتأخرِ خبراً ، وهو من باب " ضرب موسى عيسى " وقد تقدَّم إيضاحُ هذا في أول سورة الأعراف . وهناك شيءٌ لا يتأتَّى ههنا فَلْيُلْتَفَتْ إليه . و " تلك " إشارةٌ إلى الجملةِ المقولة .

قوله : { حَصِيداً } مفعولٌ ثانٍ ؛ لأنَّ الجعلَ هنا تصييرٌ . و { حَصِيداً خَامِدِينَ } : يجوزُ أَنْ يكونَ من باب " هذا حلوٌ حامِضٌ " . كأن قيل : جَعَلْناهم جامعين بين الوصفين جميعاً . ويجوز أن يكونَ " خامِدِيْن " حالاً من الضمير في " جَعَلْناهم " ، أو من الضميرِ المستكنِّ في " حَصِيداً " فإنَّه في معنى مَحْصُود . ويجوزُ أن يكونَ مِنْ باب ما تعدَّد فيه الخبرُ نحو : " زيدٌ كاتبٌ شاعرٌ " . وجَوَّز أبو البقاء فيه أيضاً أن يكونَ صفةً ل " حَصيداً " وحَصِيد بمعنى مَحْصود كما تقدَّم ؛ فلذلك لم يُجْمع . وقال أبو البقاء : " والتقدير : مثل حصيدٍ ، فلذلك لم يُجْمع كما لم يُجْمَعْ " مثل " المقدر " انتهى . وإذا كان بمعنى مَحْصُودين فلا حاجة .