قوله تعالى : { فويل } . قال الزجاج : ويل كلمة تقولها العرب لكل واقع في هلكة ، وقيل : هو دعاء الكفار على أنفسهم بالويل والثبور ، وقال ابن عباس : شدة العذاب ، وقال سعيد بن المسيب : ويل واد في جهنم لو سيرت فيه جبال الدنيا لانماعت من شدة حرها .
أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة ، أنا أبو طاهر محمد بن أحمد ابن الحارث أنا أبو الحسن محمد بن يعقوب الكسائي أنا عبد الله بن محمود أنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله بن المبارك ، عن رشيد بن سعد ، عن عمرو بن الحارث ، أنه حدث عن أبي السمع ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الويل واد في جهنم يهوي فيه الكافر أربعين خريفاً قبل أن يبلغ قعره ، والصعود جبل من نار يتصعد فيه سبعين خريفاً ثم يهوي فهو كذلك " .
قوله تعالى : { للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً } . وذلك أن أحبار اليهود خافوا ذهاب مآكلهم وزوال رياستهم حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ، فاحتالوا في تعويق اليهود عن الإيمان به فعمدوا إلى صفته في التوراة ، وكانت صفته فيها : حسن الوجه ، حسن الشعر ، أكحل العينين ، ربعة القامة ، فغيروها وكتبوا مكانها طوال أزرق سبط الشعر ، فإذا سألهم سفلتهم عن صفته قرؤوا ما كتبوه فيجدونه مخالفاً لصفته فيكذبونه .
قوله تعالى : { فويل لهم مما كتبت أيديهم } . يعني كتبوه بأنفسهم اختراعاً من تغيير نعته صلى الله عليه وسلم .
قوله تعالى : { وويل لهم مما يكسبون } . من المآكل ويقال : من المعاصي .
وبعد أن بين القرآن الكريم فرق اليهود ، توعد الذين يحرفون الكلم عن مواضعه بسوء المصير فقال تعالى : { فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الكتاب بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ الله لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ } :
والمعنى : فهلاك وفضيحة وخزى لأولئك الأحبار من اليهود الذين يكتبون الكتابات المحرفة والتأويلات الفاسدة بأيديهم ، بدلا مما اشتملت عليه الكتب من حقائق ، ثم يقولون لجهالهم ومقلديهم كذباً وبهتاناً هذا من عند الله ، ومن نصوص التوراة التي أنزلها الله على موسى ، ليأخذوا في نظير ذلك عرضاً يسيراً من حطام الدنيا ، فعقوبة عظيمة لهم بسبب ما قاموا به من تحريف وتبديل لكلام الله ، وخزى كبير لهم من أجل ما اكتسبوه من أموال بغير حق .
فالآية الكريمة فيها تهديد شديد لأحبار اليهود الذين تجرءوا على كتاب الله بالتحريف والتبديل ، وباعوا دينهم بدنياهم ، وزعموا أن ما كتبوه هو من عند الله .
وصرح - سبحانه - بأن الكتابة ب { أَيْدِيهِمْ } ليؤكد أنهم قد باشروها عن تعمد وقصد ، وليدفع توهم أنهم أمروا غيرهم بكتابتها ، ولتصور حالتهم في النفوس كما وقعت ، حتى ليكاد السامع لذلك أن يكون مشاهداً لهيئتهم .
وقوله تعالى : { ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ الله } كشف عن كذبهم وفجورهم ، فهم يحرفون الكلم عن مواضعه ، ثم يزعمون أنه من عند الله ليتقبله أتباعهم بقوة واطمئنان .
ثم بين - سبحانه - العلة التي حملنه على التحريف والكذب فقال تعالى : { لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً } أي كتبوا الكتابة بأيديهم ، ونسبوها إلى الله زوراً وبهتاناً ؛ ليحصلوا على عرض قليل من أعراض الدنيا ، كاجتلاب الأموال الحرام ، وانتحال العلم لأنفسهم والطمع في الرئاسة والجاه ، وإرضاء العامة بما يوافق أهواءهم .
وعبر - سبحانه - عن الثمن بأنه قليل ، لأنه مهما كثر فهو قليل بالنسبة إلى ما استوجبوه من العذاب ، وحرموه من الثواب المقيم .
وقوله تعالى : { فَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ } تهديد لهم مرتب على كتابة الكتاب المحرف ، وعلى أكلهم أموال الناس بالباطل ، فهو وعيد لهم على الوسيلة - وهي الكتابة - وعلى الغاية - وهي أخذ المال بغير حق - .
قال الشيخ القاسمي : قال الراغب : فإن قيل : لم ذكر { يَكْسِبُونَ } بلفظ المستقبل ، و { كَتَبَتْ } بلفظ الماضي ؟ قيل : تنبيهاً على ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم ، " من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة " فنبه بالآية إلى أن ما أثبتوه من التأويلات الفاسدة التي يعتمدها الجهلة هو اكتساب وزر يكتسبونه حالا فحالا ، وعبر بالكتابة دون القول لأنها متضمنة له وزيادة ، فهي كذب باللسان واليد . وكلام اليد يبقى رسمه ، أما القول فقد يضمحل أثره " .
وبهذا تكون الآيات الكريمة قد دمغت اليهود برذيلة التحريف لكلام الله عن تعمد وإصرار ووصفتهم بالنفاق والخداع ، ووبختهم على بلادة أذهانهم وسوء تصورهم لعلم الله - تعالى - وتوعدتهم بسوء المصير جزاء كذبهم على الله .
( فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ )
فكيف ينتظر من أمثال هؤلاء وهؤلاء أن يستجيبوا للحق ، وأن يستقيموا على الهدى ، وأن يتحرجوا من تحريف ما يقف في طريقهم من نصوص كتابهم نفسه ؟ إن هؤلاء لا مطمع في أن يؤمنوا للمسلمين . وإنما هو الويل والهلاك ينتظرهم . الويل والهلاك لهم مما كتبت أيديهم من تزوير على الله ؛ والويل والهلاك لهم مما يكسبون بهذا التزوير والاختلاق !
وقوله : { فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلا } الآية : هؤلاء صنف{[2059]} آخر من اليهود ، وهم الدعاة إلى الضلال بالزور والكذب على الله ، وأكل أموال الناس بالباطل .
والويل : الهلاك والدمار ، وهي كلمة مشهورة في اللغة . وقال سفيان الثوري ، عن زياد بن فياض : سمعت أبا عياض يقول : ويل : صديد في أصل جهنم .
وقال عطاء بن يسار . الويل : واد في جهنم لو سيرت فيه الجبال لماعت .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني عمرو بن الحارث ، عن دَرَّاج ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد الخدري ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : " ويل واد في جهنم ، يهوي فيه الكافر أربعين خريفًا قبل أن يبلغ قعره " .
ورواه الترمذي عن عبد بن حميد ، عن الحسن بن موسى ، عن ابن لهيعة ، عن دراج ، به{[2060]} . وقال : هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة .
قلت : لم ينفرد به ابن لهيعة كما ترى ، ولكن الآفة ممن بعده ، وهذا الحديث بهذا الإسناد - مرفوعًا - منكر ، والله أعلم .
وقال ابن جرير : حدثنا المثنى ، حدثنا إبراهيم بن عبد السلام بن صالح العشيري{[2061]} حدثنا علي بن جرير ، عن حماد بن سلمة ، عن عبد الحميد بن جعفر ، عن كنانة العدوي ، عن عثمان بن عفان ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : { فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ } قال : " الويل جبل في النار . وهو الذي أنزل في اليهود ؛ لأنهم حَرَّفوا التوراة ، زادوا فيها ما أحبوا ، ومحوا منها ما يكرهون ، ومحوا اسم محمد صلى الله عليه وسلم من التوراة . ولذلك غضب الله عليهم ، فرفع بعض التوراة ، فقال : { فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ }{[2062]} . وهذا غريب أيضا جدًا .
[ وعن ابن عباس : الويل : السعير من العذاب ، وقال الخليل بن أحمد : الويل : شدة الشر ، وقال سيبويه : ويل : لمن وقع في الهلكة ، وويح لمن أشرف عليها ، وقال الأصمعي : الويل : تفجع والويل ترحم ، وقال غيره : الويل الحزن{[2063]} . وقال الخليل : وفي معنى ويل : ويح وويش وويه وويك وويب ، ومنهم من فرق بينها ، وقال بعض النحاة : إنما جاز الابتداء بها وهي نكرة ؛ لأن فيها معنى الدعاء ، ومنهم من جوز نصبها ، بمعنى : ألزمهم ويلا . قلت : لكن لم يقرأ بذلك أحد ]{[2064]} .
وعن عكرمة ، عن ابن عباس : { فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ } قال : هم أحبار اليهود . وكذا قال سعيد ، عن قتادة : هم اليهود .
وقال سفيان الثوري ، عن عبد الرحمن بن علقمة : سألت ابن عباس عن قوله تعالى : { فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ } قال : نزلت في المشركين وأهل الكتاب .
وقال السدي : كان ناس من اليهود كتبوا كتابًا من عندهم ، يبيعونه من العرب ، ويحدثونهم أنه من عند الله ، ليأخذوا{[2065]} به ثمنًا قليلا .
وقال الزهري : أخبرني عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس أنه قال : يا معشر المسلمين ، كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء ، وكتابكم الذي أنزل الله على نبيه ، أحدث أخبار الله تقرؤونه{[2066]} محضًا{[2067]} لم يشب ؟ وقد حَدَّثكم الله تعالى أن أهل الكتاب قد بدلوا كتاب الله وغيروه ، وكتبوا بأيديهم الكتاب ، وقالوا : هو من عند الله ليشتروا به ثمنًا قليلا ؛ أفلا{[2068]} ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مُسَاءلتهم ؟ ولا والله ما رأينا منهم أحدًا قط سألكم عن الذي أنزل إليكم . رواه البخاري{[2069]} من طرق عن الزهري .
وقال الحسن بن أبي الحسن البصري : الثمن القليل : الدنيا بحذافيرها .
وقوله تعالى : { فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ } أي : فويل لهم مما كتبوا بأيديهم من الكذب{[2070]} والبهتان ، والافتراء ، وويل لهم مما أكلوا به من السحت ، كما قال الضحاك عن ابن عباس : { فَوَيْلٌ لَهُمْ } يقول : فالعذاب عليهم ، من الذي كتبوا بأيديهم من ذلك الكذب ، { وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ } يقول : مما يأكلون به الناس السفلة وغيرهم .
{ فَوَيْلٌ لّلّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمّ يَقُولُونَ هََذَا مِنْ عِنْدِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لّهُمْ مّمّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لّهُمْ مّمّا يَكْسِبُونَ }
اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : فوَيْلٌ . فقال بعضهم بما :
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، عن بشر بن عمارة ، عن أبي روق عن الضحاك ، عن ابن عباس : { فَوَيْلٌ لَهُمْ } يقول : فالعذاب عليهم .
حدثنا به ابن بشار ، قال : حدثنا ابن مهدي ، قال : حدثنا سفيان ، عن زياد بن فياض ، قال : سمعت أبا عياض يقول : الويل : ما يسيل من صديد في أصل جهنم .
حدثنا بشر بن أبان الحطاب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن زياد بن فياض ، عن أبي عياض في قوله : { َوَيْلٌ } قال : صهريج في أصل جهنم يسيل فيه صديدهم .
حدثنا عليّ بن سهل الرملي ، قال : حدثنا زيد بن أبي الزرقاء ، قال : حدثنا سفيان بن زياد بن فياض ، عن أبي عياض ، قال : الويل واد من صديد في جهنم .
حدثنا ابن حميد قال : حدثنا مهران عن شقيق قال : وَيْلٌ : ما يسيل من صديد في أصل جهنم .
حدثنا به المثنى ، قال : حدثنا إبراهيم بن عبد السلام بن صالح التستري ، قال : حدثنا عليّ بن جرير ، عن حماد بن سلمة بن عبد الحميد بن جعفر ، عن كنانة العدوي ، عن عثمان بن عفان ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال : «الوَيْلُ جَبَلٌ فِي النّارِ » .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : حدثني عمرو بن الحارث ، عن دراج ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «وَيْلٌ وَادٍ في جَهَنّمَ يَهْوِي فيهِ الكافِرُ أرْبَعِينَ خَرِيفا قَبْلَ أنْ يَبْلُغَ إلى قَعْرِهِ » .
قال أبو جعفر : فمعنى الآية على ما روي عمن ذكرت قوله في تأويل وَيْلٌ فالعذاب الذي هو شرب صديد أهل جهنم في أسفل الجحيم لليهود الذين يكتبون الباطل بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله .
القول في تأويل قوله تعالى : { لِلّذِينَ يَكْتُبُونَ الكِتابَ بأيْدِيهِمْ ثُمّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنا قَلِيلاً } .
يعني بذلك : الذين حرّفوا كتاب الله من يهود بني إسرائيل وكتبوا كتابا على ما تأولوه من تأويلاتهم مخالفا لما أنزل الله على نبيه موسى صلى الله عليه وسلم ، ثم باعوه من قوم لا علم لهم بها ولا بما في التوراة ، جهال بما في كتب الله لطلب عرض من الدنيا خسيس ، فقال الله لهم : { فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون } .
كما حدثني موسى قال حدثنا عمرو قال حدثنا أسباط عن السدي : { فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلاً } . قال : كان ناس من اليهود كتبوا كتابا من عندهم يبيعون من العرب ويحدثونهم أنه من عند الله ليأخذوا به ثمنا قليلاً .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، قال : حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، قال : الأميون قوم لم يصدّقوا رسولاً أرسله الله ، ولا كتابا أنزله الله فكتبوا كتابا بأيديهم ثم قالوا لقوم سفلة جهال : { هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلاً } قال عرضا من عروض الدنيا .
حدثني محمد بن عمرو قال حدثنا أبو عاصم عن عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قول الله : { الذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله } قال : هؤلاء الذين عرفوا أنه من عند الله يحرفونه .
حدثني المثنى قال ثنا أبو حذيفة قال ثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد مثله إلا أنه قال ثم يحرفونه .
حدثنا بشر بن معاذ قال ثنا يزيد عن قتادة { فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم } الآية وهم اليهود .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله { فويل للذين يكتبون الكتاب . . . } قال : كان ناس من بني اسرائيل كتبوا كتاباً بأيديهم ليتأكلوا الناس فقالوا هذا من عند الله وما هو من عند الله .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا آدم ، قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية قوله : { فَوَيْلٌ لِلّذِينَ يَكْتُبُونَ الكِتابَ بأيْدِيهِمْ ثُمّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنا قَلِيلاً } قال : عمدوا إلى ما أنزل الله في كتابهم من نعت محمد صلى الله عليه وسلم ، فحرّفوه عن مواضعه يبتغون بذلك عرضا من عرض الدنيا ، فقال : { فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمّا يَكْسِبُونَ } .
حدثني المثنى بن إبراهيم ، قال : حدثنا إبراهيم بن عبد السلام ، قال : حدثنا علي بن جرير ، عن حماد بن سلمة ، عن عبد الحميد بن جعفر ، عن كنانة العدوي ، عن عثمان بن عفان رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : { فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمّا كَتَبَتْ أيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمّا يَكْسِبُونَ } : «الويل : جبل في النار » . وهو الذي أنزل في اليهود لأنهم حرّفوا التوراة ، وزادوا فيها ما يحبون ، ومحوا منها ما يكرهون ، ومحوا اسم محمد صلى الله عليه وسلم من التوراة ، فلذلك غضب الله عليهم فرفع بعض التوراة فقال : { فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمّا كَتَبَتْ أيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمّا يَكْسِبُونَ } .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني سعيد بن أبي أيوب ، عن محمد بن عجلان ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، قال : وَيْلٌ : واد في جهنم لو سيرت فيه الجبال لانماعت من شدّة حرّه .
قال أبو جعفر : إن قال لنا قائل : ما وجه َفوَيْلٌ لِلّذِينَ يَكُتُبُونَ الكِتابَ بأيْدِيهِمْ ؟ وهل تكون الكتابة بغير اليد حتى احتاج المخاطبون بهذه المخاطبة إلى أن يخبروا عن هؤلاء القوم الذين قصّ الله قصتهم أنهم كانوا يكتبون الكتاب بأيديهم ؟ قيل له : إن الكتاب من بني آدم وإن كان منهم باليد ، فإنه قد يضاف الكتاب إلى غير كاتبه وغير المتولي رسم خطه ، فيقال : كتب فلان إلى فلان بكذا ، وإن كان المتولي كتابته بيده غير المضاف إليه الكتاب ، إذا كان الكاتب كتبه بأمر المضاف إليه الكتاب . فأعلم ربنا بقوله : { فَوَيْلٌ لِلّذِينَ يَكْتُبُونَ الكِتابَ بأيْدِيهِمْ } عباده المؤمنين أن أحبار اليهود تلي كتابة الكذب والفرية على الله بأيديهم على علم منهم وعمد للكذب على الله ، ثم تنحله إلى أنه من عند الله وفي كتاب الله تكذّبا على الله وافتراء عليه . فنفى جل ثناؤه بقوله : { يَكْتُبُونَ الكِتابَ بأيْدِيهِمْ } أن يكون ولي كتابة ذلك بعض جهالهم بأمر علمائهم وأحبارهم . وذلك نظير قول القائل : باعني فلان عينه كذا وكذا ، فاشترى فلان نفسه كذا ، يراد بإدخال النفس والعين في ذلك نفي اللبس عن سامعه أن يكون المتولي بيع ذلك وشراءه غير الموصوف به بأمره ، ويوجب حقيقة الفعل للمخبر عنه فكذلك قوله : { فَوَيْلٌ لِلّذِينَ يَكْتُبُونَ الكِتابَ بأيْدِيهِمْ } .
القول في تأويل قوله تعالى : { فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمّا كَتَبَتْ أيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمّا يَكْسِبُونَ } .
يعني جل ثناؤه بقوله : { فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ } أي فالعذاب في الوادي السائل من صديد أهل النار في أسفل جهنم لهم ، يعني للذين يكتبون الكتاب الذي وصفنا أمره من يهود بني إسرائيل محرّفا ، ثم قالوا : هذا من عند الله ابتغاء عرض من الدنيا به قليل ممن يبتاعه منهم . وقوله : مِمّا كَتَبَتْ أيْدِيهِم يقول : من الذي كتبت أيديهم من ذلك { وَوَيْلٌ لَهُمْ أيضا مِمّا يَكْسِبُونَ }يعني مما يعملون من الخطايا ، ويجترحون من الاَثام ، ويكسبون من الحرام بكتابهم الذي يكتبونه بأيديهم ، بخلاف ما أنزل الله ، ثم يأكلون ثمنه وقد باعوه ممن باعوه منهم على أنه من كتاب الله . كما :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا آدم ، قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية : { وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمّا يَكْسِبُونَ } يعني من الخطيئة .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، عن بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : { فَوَيْلٌ لَهُمْ } يقول : فالعذاب عليهم قال : يقول من الذي كتبوا بأيديهم من ذلك الكذب وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمّا يَكْسِبُونَ يقول : مما يأكلون به من السفلة وغيرهم .
قال أبو جعفر : وأصل الكسب : العمل ، فكل عامل عملاً بمباشرة منه لما عمل ومعاناة باحتراف ، فهو كاسب لما عمل ، كما قال لبيد بن ربيعة :
لِمُعَفّرٍ قَهْدٍ تَنَازَعَ شَلْوَهُ *** غُبْسٌ كَواسِبُ لا يُمَنّ طَعامُها
{ فويل } أي تحسر وهلك . ومن قال إنه واد أو جبل في جهنم فمعناه : أن فيها موضعا يتبوأ فيه من جعل له الويل ، ولعله سماه بذلك مجازا . وهو في الأصل مصدر لا فعل له وإنما ساغ الابتداء به نكرة لأنه دعاء . { للذين يكتبون الكتاب } يعني المحرفين ، ولعله أراد به ما كتبوه من التأويلات الزائغة . { بأيديهم } تأكيد كقولك : كتبته بيميني { ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا } كي يحصلوا به عرضا من أعراض الدنيا ، فإنه وإن جعل قليل بالنسبة إلى ما استوجبوه من العقاب الدائم . { فويل لهم مما كتبت أيديهم } يعني المحرف . { وويل لهم مما يكسبون } يريد به الرشى .