وقوله : { وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنّاً . . . } توبيخ آخر لهم على انقيادهم للأوهام والظنون ، وتسلية للرسول - صلى الله عليه وسلم - عما أصابه منهم من إساءات .
أى : إن هؤلاء الذين أعرضوا عن دعوتك يا محمد ، لا يتبعون في عقائدهم وعبادتهم لغير خالقهم سوى الظنون والأوهام التي ورثها الأبناء عن الآباء .
وخص أكثرهم بالذكر ، لأن هناك قلة منهم يعرفون الحق كما يعرفون أبناءهم ، ولكنهم لا يتبعونه عنادا وجحودا وحسدا ، كما قال - تعالى - { فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ ولكن الظالمين بِآيَاتِ الله يَجْحَدُونَ } ويجوز أن يكون - سبحانه - خص أكثرهم بالذكر ، للإِشارة إلى أن هناك قلة منهم تعرف الحق ، وستتبعه في الوقت الذي يريده الله - تعالى .
والتنكير في قوله { ظنا } للتنويع ، أي لا يتبع أكثرهم إلا نوعا من الظن الواهي الذي لا يستند إلى دليل أو برهان .
وقوله : { إِنَّ الظن لاَ يُغْنِي مِنَ الحق شَيْئاً } استئناف مسوق لبيان شأن الظن وبطلانه .
والمراد بالظن هنا : ما يخالف العلم واليقين ، والمراد بالحق : العلم والاعتقاد الصحيح المطابق للواقع .
أى : إن الظن الفاسد المبنى على الأوهام لا يغني صاحبه شيئا من الإِغناء ، عن الحق الثابت الذي لاريب في ثبوته وصحته .
وقوله { شيئا } مفعول مطلق أى : لا يغني شيئا من الإِغناء ، ويجوز أن يكون مفعولا به على جعل يغني بمعنى يدفع .
وقوله : { إِنَّ الله عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ } تذييل قصد به التهديد والوعيد .
أى : إن الله - تعالى - عليم بأقوالهم وأفعالهم ، وسيحاسبهم عليها يوم القيامة ، وسينالهون ما يستحقونه من عقاب بسبب أقوالهم الباطلة . وأفعالهم الفاسدة .
قال صاحب المنار ما ملخصه : " استدل العلماء بهذه الآية على أن العلم اليقيني واجب في الاعتقاديات ، ويدخل في الاعتقاديات الإِيمان بأركان الإِسلام وغيرها من الفرائض والواجبات القطعية ، والإِيمان بتحريم المحظورات القطعية كذلك . . .
أما ما دون العلم اليقيني مما لا يفيد إلا الظن فلا يؤخذ به في الاعتقاد وهو متروك للاجتهاد في الأعمال ، كاجتهاد الأفراد في الأعمال الشخصية ، واجتهاد أولى الأمر في الإدارة والسياسة ، مع التقيد بالشورى وتحري العدل . . " .
فإذا فرغ من سؤالهم وإجابتهم ، وتقرير الإجابة المفروضة التي تحتمها البديهة وتحتمها المقدمات المسلمة . . عقب على هذا بتقرير واقعهم في النظر والاستدلال والحكم والاعتقاد . فهم لا يستندون إلى يقين فيما يعتقدون أو يعبدون أو يحكمون ، ولا إلى حقائق مدروسة يطمئن إليها العقل والفطرة ، إنما يتعلقون بأوهام وظنون ، يعيشون عليها ويعيشون بها ؛ وهي لا تغني من الحق شيئا .
( وما يتبع أكثرهم إلا ظنا . إن الظن لا يغني من الحق شيئا . إن الله عليم بما يفعلون . . ) .
فهم يظنون أن لله شركاء . ولا يحققون هذا الظن ولا يمتحنونه عملا ولا عقلا . وهم يظنون أن آباءهم ما كانوا ليعبدوا هذه الأصنام لو لم يكن فيها ما يستحق العبادة : ولا يمتحنون هم هذه الخرافة ، ولا يطلقون عقولهم من إسار التقليد الظني . وهم يظنون أن الله لا يوحي إلى رجل منهم ، ولا يحققون لماذا يمتنع هذا على الله . وهم يظنون أن القرآن من عمل محمد ولا يحققون إن كان محمد - وهو بشر - قادرا على تأليف هذا القرآن ، بينما هم لا يقدرون وهم بشر مثله . . وهكذا يعيشون في مجموعة من الظنون لا تحقق لهم من الحق شيئا . والله وحده هو الذي يعلم علم اليقين أفعالهم وأعمالهم . .
ثم بين تعالى أنهم لا يتبعون في دينهم هذا دليلا ولا برهانًا ، وإنما هو ظن منهم ، أي : توهم وتخيل ، وذلك لا يغني عنهم شيئا ، { إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ } تهديد لهم ، ووعيد شديد ؛ لأنه تعالى أخبر{[14226]} أنه سيجازيهم على ذلك أتم الجزاء .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَمَا يَتّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاّ ظَنّاً إَنّ الظّنّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقّ شَيْئاً إِنّ اللّهَ عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ } .
يقول تعالى ذكره : وما يتبع أكثر هؤلاء المشركين إلا ظنّا ، يقول : إلا ما لا علم لهم بحقيقته وصحته ، بل هم منه في شكّ وريبة . إنّ الظّنّ لا يُغْنِي مِنَ الحَقّ شَيْئا يقول : إن الشكّ لا يغني من اليقين شيئا ، ولا يقوم في شيء مقامه ، ولا ينتفع به حيث يحتاج إلى اليقين . إنّ اللّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ يقول تعالى ذكره : إن الله ذو علم بما يفعل هؤلاء المشركون من اتباعهم الظنّ وتكذيبهم الحقّ اليقين ، وهو لهم بالمرصاد ، حيث لا يغني عنهم ظنهم من الله شيئا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.