لطائف الإشارات للقشيري - القشيري  
{وَمَا يَتَّبِعُ أَكۡثَرُهُمۡ إِلَّا ظَنًّاۚ إِنَّ ٱلظَّنَّ لَا يُغۡنِي مِنَ ٱلۡحَقِّ شَيۡـًٔاۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِمَا يَفۡعَلُونَ} (36)

الظَّنُّ يُنافي اليقين ، فإنه ترجيح أحد طَرَفَيْ الحكم على الآخر من غير قَطْعِ .

وأربابُ الحقائق على بصيرة وقطع ؛ فالظنُّ في أوصاف الحقِّ معلولٌ ، والقطع- في أوصاف النَّفُس- لكل أحدٍ معلول . والعَبْدُ يجب أن يكون في الحال خالياً عن الظن إذّ لا يَعْرفُ أحدٌ غيْبَ نَفْسه في مآلِه .

وفي صفة الحقِّ يجب أن يكونَ العبدُ على قطع وبصيرة ؛ فالظنُّ في الله معلول ، والظن فيما مِنَ الله غير محمود . ولا يجوز بوجهٍ من الوجوه أن يكون أهلُ المعرفةِ به سبحانه- فيما يعود إلى صفته - على الظن ، كيف وقد قال الله تعالى فيما أمر نبيِّه- عليه السلام- أَنْ يقول : { أَدْعُوا إلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتبعني } [ يوسف :108 ] ؟ وكما قلنا :

طَلَعَ الصباحُ فلات حين سراج *** وأتى اليقين فلات حين حجاج

حصل الذي كُنَّا نؤمِّل نَيْلَه *** من عَقْد ألويةٍ وحلِّ رتاج9

والبعد قَوْضَ بالدَّنو خيامه *** والوصلُ وَكَّدَ سَجْلَه10 بِعاج11

قَدْ حَانَ عَهْدٌ للسرور فحيهلا *** لهواجم الأحزان بالإزعاج