فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَمَا يَتَّبِعُ أَكۡثَرُهُمۡ إِلَّا ظَنًّاۚ إِنَّ ٱلظَّنَّ لَا يُغۡنِي مِنَ ٱلۡحَقِّ شَيۡـًٔاۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِمَا يَفۡعَلُونَ} (36)

{ وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنّا إَنَّ الظن لاَ يُغْنِى مِنَ الحق شَيْئًا } وهذا كلام مبتدأ غير داخل في الأوامر السابقة . والمعنى : ما يتبع هؤلاء المشركون في إشراكهم بالله ، وجعلهم له أنداداً إلا مجرّد الظن ، والتخمين والحدس ، ولم يكن ذلك عن بصيرة ، بل ظن من ظن من سلفهم أن هذه المعبودات تقرّبهم إلى الله ، وأنها تشفع لهم ، ولم يكن ظنه هذا لمستند قط ، بل مجرد خيال مختل وحدس باطل ، ولعل تنكير الظن هنا للتحقير : أي إلا ظناً ضعيفاً لا يستند إلى ما تستند إليه سائر الظنون .

وقيل : المراد بالآية : إنه ما يتبع أكثرهم في الإيمان بالله والإقرار به إلا ظناً . والأوّل : أولى . ثم أخبرنا الله سبحانه : بأن مجرد الظن لا يغني من الحق شيئاً ، لأن أمر الدين إنما يبنى على العلم ، وبه يتضح الحق من الباطل ، والظن لا يقوم مقام العلم ، ولا يدرك به الحق ، ولا يغني عن الحق في شيء من الأشياء ، ويجوز انتصاب شيئاً على المصدرية ، أو على أنه مفعول به ، و " من الحق " حال منه والجملة مستأنفة لبيان شأن الظن وبطلانه { إِنَّ الله عَلَيم بِمَا يَفْعَلُونَ } من الأفعال القبيحة الصادرة لا عن برهان .

/41