قوله تعالى : { ويوم نحشرهم جميعاً ثم نقول للذين أشركوا مكانكم } ، أي : الزموا مكانكم ، { أنتم وشركاؤكم } ، يعني : الأوثان ، معناه : ثم نقول للذين أشركوا : الزموا أنتم وشركاؤكم مكانكم ، ولا تبرحوا . " فزيلنا " ميزنا وفرقنا " بينهم " ، أي : بين المشركين وشركائهم ، وقطعنا ما كان بينهم من التواصل في الدنيا ، وذلك حين يتبرأ كل معبود من دون اله ممن عبده ، " وقال شركاؤهم " ، يعني : الأصنام ، " ما كنتم إيانا تعبدون " ، بطلبتنا فيقولون : بلى ، كنا نعبدكم .
ثم حكى - سبحانه - جانبا من الأقوال التي تدور بين المشركين وبين شركائهم يوم القيامة ، فقال - تعالى - :
{ وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ . . . } .
قوله : { نَحْشُرُهُمْ } أي نجمعهم يوم القيامة للحساب ، يقال : حشر القائد جنده ، إذا جمعهم للحرب أو لأمر من الأمور .
ويوم ظرف زمان منصوب بفعل مقدر .
والمعنى : واذكر أيها الرسول الكريم أو أيها الإنسان العاقل ، يوم نجمع الناس كافة ، لنحاسبهم على أعمالهم في الدنيا .
{ ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُم } أي : ثم نقول لمشركين منهم في هذا اليوم العصيب ، الزموا مكانكم أنتم وشركاؤكم فلا تبرحوه حتى يقضى الله قضاؤه ، فيكم ، فقوله : { مكانكم } ظرف مكان منصوب بفعل مقدر ، وقوله { وَشُرَكَآؤُكُمْ } معطوف على ضمير الفعل المقدر ، وقوله { أنتم } تأكيد له . أى قفوا مكانكم أنتم وشركاؤكم .
وجاء العطف بثم ، للإِشارة إلى أن بين حشرهم ويبن ما يقال لهم ، مواقف أخرى فيها من الأهوال ما فيها ، فثم هنا للتراخي النسبي .
وقال - سبحانه - { مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُمْ } مع أن المشركين كانوا يعتبرون معبوداتهم شركاء الله - من باب التهكم بهم . وللإِشارة إلى أن ما عبدوهنم لم يكونوا في يوم من الأيام شركاء لله ، وإنما المشركون هم الذين وصفوهم بذلك افتراء وكذاب .
وجاء وصفهم بالشرك في حيز الصلة ، للإِيذان بأنه أكبر جناياتهم ؛ وأن شركهم بالله - تعالى - هو الذي أدى بهم إلى هذا المصير المؤلم .
وقوله : { فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ } أى : ففرقنا بينهم ، وقطعنا ما بينهم من صلات ، وميزنا بعضهم عن بعض كما يميز بين الخصوم عند التقاضى والمساءلة .
وزيلنا : من التزييل بمعنى التمييز والتفريق ، يقال : زيلت الشيء أزيله إذا نحيته وأبعدته ، ومنه قوله - تعالى - : { لَوْ تَزَيَّلُواْ لَعَذَّبْنَا الذين كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } أى : لو تميزوا وتفرقوا .
وعبر بإلفاء للدلالة على أن هذا التفريق والتمييز ؛ قد حدث عقب الخطاب من غير مهلة وجاء الأسلوب بصيغة الماضى مع أن هذا التذييل سيكون في الآخرة ، للإِيذان بتحقيق الوقوع ، وإلى زيادة التوبيخ والتحسير لهم .
وقوله : { وَقَالَ شُرَكَآؤُهُمْ مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ } معطوف على ما قبله .
والمراد بالشركاء ؛ كل ما عبد من دون الله من إنس وجن وأوثان وغير ذلك .
أى : وقال شركاؤهم الذين أشركوهم في العبادة مع الله - تعالى - : إنكم إيها المشركون لم تكونوا لنا عابدين في الدنيا ، وإنما كنتم تعبدون أشياء أخرى زينها الشيطان لكم ؛ فانقذتم له بدون تدبر أو تعقل .
والمقصود بقولهم هذا - التبري من المشركين ، وتوبيخهم على أفكارهم الفاسدة .
ولكن أين الشركاء والشفعاء ? وكيف لم يعصموهم من دون الله ? هذه هي قصتهم في يوم الحشر العصيب :
( ويوم نحشرهم جميعا ، ثم نقول للذين أشركوا : مكانكم أنتم وشركاؤكم . فزيلنا بينهم . وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون . فكفى باللّه شهيدا بيننا وبينكم إن كنا عن عبادتكم لغافلين . . هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت ، وردوا إلى الله مولاهم الحق . وضل عنهم ما كانوا يفترون ) . .
هذه هي قصة الشفعاء والشركاء في مشهد من مشاهد القيامة ، مشهد حي أبلغ من الإخبار المجرد بأن الشركاء والشفعاء لن يعصموا عبادهم من الله ، ولن يملكوا لهم خلاصا ولا نجاة .
هؤلاء هم محشورون جميعا . . الكفار والشركاء . . وهم كانوا يزعمونهم شركاء لله ، ولكن القرآن يسميهم( شركاءهم )تهكما من جهة ، وإشارة إلى أنهم من صنعهم هم ولم يكونوا يوما شركاء لله .
هؤلاء هم جميعا كفارا وشركاء . يصدر إليهم الأمر :
قفوا حيث أنتم . ولا بد أن يكونوا قد تسمروا في أماكنهم ! فالأمر يومئذ للنفاذ . ثم فرق بينهم وبين شركائهم وحجز بينهما في الموقف :
وعندئذ لا يتكلم الذين كفروا ولكن يتكلم الشركاء يتكلمون ليبرئوا أنفسهم من الجريمة . جريمة أن عبدهم هؤلاء الكفار مع الله ، أو من دون الله ، وإعلان أنهم لم يعلموا بعبادتهم إياهم ولم يشعروا ، فهم إذن لم يشتركوا في الجناية ، ويشهدون الله وحده على ما يقولون :
( وقال شركاؤهم : ما كنتم إيانا تعبدون . فكفى بالله شهيدا بيننا وبينكم إن كنا عن عبادتكم لغافلين ) . .
يقول تعالى : { وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ } أي : أهل الأرض كلهم ، من إنس وجن{[14206]} وبر وفاجر ، كما قال : { وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا } [ الكهف : 47 ] .
{ ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ } أي : الزموا أنتم وهم مكانًا معينًا ، امتازوا فيه عن مقام المؤمنين ، كما قال تعالى : { وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ } [ يس : 59 ] ، وقال { وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ } [ الروم : 14 ] ، وفي الآية الأخرى : { يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ } [ الروم : 43 ] أي : يصيرون صِدعين ، وهذا يكون إذا جاء الرب تعالى لفصل القضاء ؛ ولهذا قيل : ذلك{[14207]} يستشفع المؤمنون إلى الله تعالى أن يأتي لفصل القضاء ويريحنا من مقامنا هذا ، وفي الحديث الآخر : " نحن يوم القيامة على كَوْم فوق الناس . {[14208]} -{[14209]}
وقال الله تعالى في هذه الآية الكريمة إخبارًا عما يأمر به المشركين{[14210]} وأوثانهم يوم القيامة : { مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ } أنكروا عبادتهم ، وتبرءوا منهم ، كما قال تعالى : { [ كَلا ] سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا } الآية . [ مريم : 82 ] {[14211]} . وقال : { إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا } [ البقرة : 166 ] ، وقال { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ } [ الأحقاف : 5 ، 6 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.