معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{إِذۡ أَرۡسَلۡنَآ إِلَيۡهِمُ ٱثۡنَيۡنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزۡنَا بِثَالِثٖ فَقَالُوٓاْ إِنَّآ إِلَيۡكُم مُّرۡسَلُونَ} (14)

قوله عز وجل :{ واضرب لهم مثلاً أصحاب القرية } يعني : اذكر لهم شبهاً مثل حالهم من قصة أصحاب القرية وهي أنطاكية ، { إذ جاءها المرسلون } يعني ، رسل عيسى عليه الصلاة والسلام . قال العلماء بأخبار الأنبياء : بعث عيسى رسولين من الحواريين إلى أهل مدينة أنطاكية ، فلما قربا من المدينة رأيا شيخاً يرعى غنمات له وهو حبيب النجار ، صاحب يس فسلما عليه ، فقال الشيخ لهما : من أنتما ؟ فقالا : رسولا عيسى ، ندعوكم من عبادة الأوثان إلى عبادة الرحمن ، فقال : أمعكما آية ، قالا : نعم نحن نشفي المريض ونبرئ الأكمه والأبرص بإذن الله ، فقال الشيخ : إن لي ابناً مريضاً منذ سنين ، قالا : فانطلق بنا نطلع على حاله ، فأتى بهما إلى منزله ، فمسحا ابنه ، فقام في الوقت بإذن الله صحيحاً ، ففشا الخبر في المدينة ، وشفى الله على أيديهما كثيراً من المرضى ، وكان لهم ملك قال وهب : اسمه انطيخس وكان من ملوك الروم يعبد الأصنام ، قالوا : فانتهى الخبر إليه فدعاهما ، فقال : من أنتما ؟ قالا : رسولا عيسى ، قال : وفيم جئتما ؟ قالا : ندعوك من عبادة ما لا يسمع ولا يبصر إلى عبادة من يسمع ويبصر ، فقال لهما : ألنا إله دون آلهتنا ؟ قالا : نعم ، من أوجدك وآلهتك . قال : قوما حتى أنظر في أمركما ، فتبعهما الناس فأخذوهما وضربوهما في السوق . وقال وهب : بعث عيسى هذين الرجلين إلى أنطاكية ، فأتياها فلم يصلا إلى ملكها ، وطال مدة مقامهما فخرج الملك ذات يوم فكبرا وذكروا الله ، فغضب الملك وأمر بهما فحبسا وجلد كل واحد منهما مائتي جلدة ، قالوا : فلما كذب الرسولان وضربا ، بعث عيسى رأس الحواريين شمعون الصفا على أثرهما لينصرهما ، فدخل شمعون البلد متنكراً ، فجعل يعاشر حاشية الملك حتى أنسوا به ، فرفعوا خبره إلى الملك فدعاه فرضي عشرته وأنس به وأكرمه ، ثم قال له ذات يوم : أيها الملك بلغني أنك حبست رجلين في السجن وضربتهما حين دعواك إلى غير دينك ، فهل كلمتهما ؟ وسمعت قولهما ؟ فقال الملك : حال الغضب بيني وبين ذلك . قال : فإن رأى الملك دعاهما حتى نطلع على ما عندهما ، فدعاهما الملك ، فقال لهما شمعون : من أرسلكما إلى هاهنا ؟ قالا : الله الذي خلق كل شيء وليس له شريك ، فقال لهما شمعون : فصفاه وأوجزا ، فقالا إنه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ، فقال شمعون : وما آيتكما ؟ قالا : ما تتمناه ، فأمر الملك حتى جاؤوا بغلام مطموس العينين وموضع عينيه كالجبهة ، فما زالا يدعوان ربهما حتى انشق موضع البصر ، فأخذا بندقتين من الطين ، فوضعاهما في حدقتيه فصارتا مقلتين يبصر بهما ، فتعجب الملك ، فقال شمعون للملك : إن أنت سألت إلهك حتى تصنع صنعاً مثل هذا فيكون لك الشرف ولآلهك . فقال الملك : ليس لي عنك سر إن إلهنا الذي نعبده لا يسمع ولا يبصر ، ولا يضر ولا ينفع ، وكان شمعون إذا دخل الملك على الصنم يدخل بدخوله ويصلي كثيراً ، ويتضرع حتى ظنوا أنه على ملتهم ، فقال الملك للمرسلين : إن قدر إلهكما الذي تعبدانه على إحياء ميت آمنا به وبكما ؟ قالا : إلهنا قادر على كل شيء ، فقال الملك : إن هاهنا ميتاً مات منذ سبعة أيام ابن دهقان وأنا أخرته فلم أدفنه حتى يرجع أبوه ، وكان غائباً فجاؤوا بالميت وقد تغير وأروح فجعلا يدعوان ربهما علانيةً ، وجعل شمعون يدعو ربه سراً ، فقام الميت ، وقال : إني قدمت منذ سبعة أيام ووجدت مشركاً فأدخلت في سبعة أودية من النار ، وأنا أحذركم ما أنتم فيه فآمنوا بالله ، ثم قال : فتحت لي أبواب السماء فنظرت فرأيت شاباً حسن الوجه يشفع لهؤلاء الثلاثة ، قال الملك : ومن الثلاثة ؟ قال : شمعون وهذان ؟ وأشار إلى صاحبيه ، فتعجب الملك ، لما علم ، فلما علم شمعون أن قوله أثر في الملك أخبره بالحال ، ودعاه إلى الإسلام فآمن الملك وآمن قوم كثير ، وكفر آخرون . وقيل : إن ابنةً للملك كانت قد توفيت ودفنت ، فقال شمعون للملك : اطلب من هذين الرجلين أن يحييا ابنتك ، فطلب منهما الملك ذلك فقاما وصليا ودعوا وشمعون معهما في السر ، فأحيا الله المرأة وانشق القبر عنها فخرجت ، وقالت : أسلموا فإنهما صادقان ، قالت : ولا أظنكم تسلمون ، ثم طلبت من الرسولين أن يرداها إلى مكانها فذرا تراباً على رأسها وعادت إلى قبرها كما كانت . وقال ابن اسحاق عن كعب ووهب : بل كفر الملك ، وأجمع هو وقومه على قتل الرسل فبلغ ذلك حبيباً ، وهو على باب المدينة الأقصى ، فجاء يسعى إليهم يذكرهم ويدعوهم إلى طاعة المرسلين .

فذلك قوله تعالى : { أرسلنا إليهم اثنين } وقال وهب : اسمهما يوحنا وبولس ، { فكذبوهما فعززنا } يعني : فقوينا ، { بثالث } برسول ثالث وهو شمعون ، وقرأ أبو بكر عن عاصم : ( ( فعززنا ) ) بالتخفيف وهو بمعنى الأول كقولك : شددنا وشددنا ، بالتخفيف والتثقيل ، وقيل : فغلبناهم من قولهم : من عز بز . وقال كعب : الرسول : صادق وصدوق ، والثالث شلوم ، وإنما أضاف الله الإرسال إليه لأن عيسى إنما بعثهم بأمره تعالى ، { فقالوا } جميعاً لأهل أنطاكية . { إنا إليكم مرسلون* }

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِذۡ أَرۡسَلۡنَآ إِلَيۡهِمُ ٱثۡنَيۡنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزۡنَا بِثَالِثٖ فَقَالُوٓاْ إِنَّآ إِلَيۡكُم مُّرۡسَلُونَ} (14)

ثم أمر الله - تعالى - رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقرأ على الناس - ليعتبروا ويتعظوا - قصة أصحاب القرية ، وما جرى بينهم وبين الرسل الذين جاءوا لهدايتهم وإرشادهم إلى الطريق المستقيم فقال - تعالى - .

{ واضرب لَهُمْ مَّثَلاً أَصْحَابَ القرية . . . }

قال القرطبى ما ملخصه : قوله - تعالى - : { واضرب لَهُمْ مَّثَلاً أَصْحَابَ القرية } وهذه القرية هى " أنطاكية " فى قول جميع المفسرين . . . والمرسلون : قيل : هم رسل من الله على الابتداء . وقيل : إن عيسى بعثهم إلى أنطاكية للدعاء إلى الله - تعالى - .

ولم يرتض ابن كثير ما ذهب إليه القرطبى والمفسرون من أن المراد بالقرية " أنطاكية " كما أنه لم يرتض الرأى القائل بأن الرسل الثلاثة كانوا من عند عيسى - عليه السلام - فقد قال - رحمه الله - ما ملخصه : وقد تقدم عن كثير من السلف ، أن هذه القرية هى أنطاكية ، وأن هؤلاء الثلاثة كانوا رسلا من عيسى - عليه السلام - وفى ذلك نظر من وجوه :

أحدها : أن ظاهر القصة يدل على أن هؤلاء كانوا رسل الله - عز وجل - لا من جهة عيسى ، كما قال - تعالى - : { إِذْ أَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمُ اثنين فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ . . . } .

الثانى : أن أهل أنطاكية آمنوا برسل عيسى إليهم ، وكانوا أول مدينة آمنت بالمسيح عليه السلام ، ولهذا كانت عند النصارى ، إحدى المدن الأربعة التى فيها بتاركه - أى ، علماء بالدين المسيحى . .

الثالث : أن قصة أنطاكية مع الحواريين أصحاب عيسى ، كانت بعد نزول التوراة ، وقد ذكر أبو سعيد الخدري وغيره ، أن الله تعالى بعد إنزاله التوراة لم يهلك أمة من الأمم عن آخرهم بعذاب يبعثه عليهم ، بل أمر المؤمنين بعد ذلك بقتال المشركين . . .

والذى يبدو لنا أن ما ذهب إليه الإِمام ابن كثير هو الأقرب إلى الصواب وأن القرآن الكريم لم يذكر من هم أصحاب القرية ، لأن اهتمامه فى هذه القصة وأمثالها ، بالعبر والعظات التى تؤخذ منها .

وضرب المثل فى القرآن الكريم كثيرا ما يستعمل فى تطبيق حالة غريبة ، بأخرى تشبهها ، كما فى قوله - تعالى - { ضَرَبَ الله مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ امرأت نُوحٍ وامرأت لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ الله شَيْئاً وَقِيلَ ادخلا النار مَعَ الداخلين } فيكون المعنى : واجعل - أيها الرسول الكريم - حال أصحاب القرية ، مثلا لمشركى مكة فى الإِصرار على الكفر والعناد ، وحذرهم من أن مصيرهم سيكون كمصير هؤلاء السابقين ، الذين كانت عاقبتهم أن أخذتهم الصيحة فإذا هم خامدون ، لأنهم كذبوا المرسلين .

وقوله - سبحانه - : { إِذْ جَآءَهَا المرسلون } بدل اشتمال من { أَصْحَابَ القرية } .

والمراد بالمرسلين : الذين أرسلهم الله إلى أهل تلك القرية ، لهدايتهم إلى الحق .

وقوله : { إِذْ أَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمُ اثنين فَكَذَّبُوهُمَا . . } بيان لكيفية الإِرسال ولموقف أهل القرية ممن جاءوا لإِرشادهم إلى الدين الحق .

أى : إن موقف المشركين منك - أيها الرسول الكريم - ، يشبه موقف أصحاب القرية من الرسل الذين أرسلناهم لهدايتهم ، إذ أرسلنا إلى أصحاب هذه القرية اثنين من رسلنا ، فكذبوهما .

وأعرضوا عن دعوتهما .

والفاء فى قوله { فكذبوهما } للإِفصاح ، أى : أرسلنا إليهم اثنين لدعوتهم إلى إخلاص العبادة لنا فذهبا إليه فكذبوهما .

وقوله : فعززنا بثالث أى : فقوينا الرسالة برسول ثالث ، من التعزيز بمعنى التقوية ، ومنه قولهم : تعزز لحم الناقة ، إذا اشتد وقوى . وعزز المطر الأرض ، إذا قواها وشدها . وأرض عزاز ، إذا كانت صلبة قوية .

ومفعول { فعززنا } محذوف لدلالة ما قبله عليه أى : فعززناهما برسول ثالث { فقالوا } أى الرسل الثلاثة لأصحاب القرية : { إِنَّآ إِلَيْكُمْ مُّرْسَلُونَ } ال إلى غيركم ، فأطيعونا فيما ندعوكم إليه من إخلاص العبادة لله - تعالى - ، ونبذ عبادة الأصنام

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِذۡ أَرۡسَلۡنَآ إِلَيۡهِمُ ٱثۡنَيۡنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزۡنَا بِثَالِثٖ فَقَالُوٓاْ إِنَّآ إِلَيۡكُم مُّرۡسَلُونَ} (14)

فهي قرية أرسل الله إليها رسولين . كما أرسل موسى وأخاه هارون - عليهما السلام - إلى فرعون وملئه . فكذبهما أهل تلك القرية ، فعززهما الله برسول ثالث يؤكد أنه وأنهما رسل من عند الله . وتقدموا ثلاثتهم بدعواهم ودعوتهم من جديد ( فقالوا : إنا إليكم مرسلون ) . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِذۡ أَرۡسَلۡنَآ إِلَيۡهِمُ ٱثۡنَيۡنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزۡنَا بِثَالِثٖ فَقَالُوٓاْ إِنَّآ إِلَيۡكُم مُّرۡسَلُونَ} (14)

وقوله : إذْ أرْسَلْنا إلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذّبُوهُما فَعَزّزْنا بِثالِثٍ يقول تعالى ذكره : حين أرسلنا إليهم اثنين يدعوانهم إلى الله فكذّبوهما فشددناهما بثالث ، وقوّيناهما به . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : فَعَزّزْنا بِثالِثٍ قال : شدّدنا .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن القاسم بن أبي بَزّة ، عن مجاهد في قوله فَعَزّزْنا بِثالِثٍ قال : زدنا .

حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : فَعَزّزْنا بِثالِثٍ قال : جعلناهم ثلاثة ، قال : ذلك التعزّز ، قال : والتعزّز : القوّة .

وقوله : فَقالُوا إنّا إلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ يقول : فقال المرسلون الثلاثة لأصحاب القرية : إنا إليكم أيها القومُ مرسلون ، بأن تُخْلِصوا العبادة لله وحده ، لا شريك له ، وتتبرّءوا مما تعبدون من الاَلهة والأصنام . وبالتشديد في قوله : فَعَزّزْنا قرأت القرّاء سِوى عاصم ، فإنه قرأه بالتخفيف ، والقراءة عندنا بالتشديد ، لإجماع الحجة من القرّاء عليه ، وأن معناه ، إذا شُدّد : فقوّينا ، وإذا خُفف : فغلبنا ، وليس لغلبنا في هذا الموضع كثير معنى .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِذۡ أَرۡسَلۡنَآ إِلَيۡهِمُ ٱثۡنَيۡنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزۡنَا بِثَالِثٖ فَقَالُوٓاْ إِنَّآ إِلَيۡكُم مُّرۡسَلُونَ} (14)

{ واضرب لهم } ومثل لهم من قولهم هذه الأشياء على ضرب واحد أي مثال واحد ، وهو يتعدى إلى مفعولين لتضمنه معنى الجعل وهما : { مثلا أصحاب القرية } على حذف مضاف أي اجعل لهم مثل أصحاب القرية مثلا ، ويجوز أن يقتصر على واحد ويجعل المقدر بدلا من الملفوظ أو بيانا له ، والقرية انطاكية . { إذ جاءها المرسلون } بدل م أصحاب القرية ، و{ المرسلون } رسل عيسى عليه الصلاة والسلام إلى أهلها وإضافته إلى نفسه في قوله : { إذ أرسلنا إليهم اثنين } لأنه فعل رسوله وخليفته وهما يحيى ويونس عليهم الصلاة والسلام ، وقيل غيرهما . { فكذبوهما فعززنا } فقوينا ، وقرأ أبو بكر مخففا من عزه إذا غلبه وحذف المفعول لدلالة ما قبله عليه ولأن المقصود ذكر المعزز به . { بثالث } وهو شمعون . { فقالا إنا إليكم مرسلون } وذلك أنهم كانوا عبدة أصنام أرسل إليهم عيسى عليه السلام اثنين ، فلما قربا من المدينة رأيا حبيبا النجار يرعى غنما فسألهما فأخبراه فقال : أمعكما آية فقالا : نشفي المريض ونبرئ الأكمة والأبرص ، وكان له ولد مريض فمسحاه فبرأ فآمن حبيب وفشا الخبر ، فشفي على أيديهما خلق كثير وبلغ حديثهما إلى الملك وقال لهما ألنا إله سوى آلهتنا ؟

قالا : نعم من أوجدك وآلهتك ، قال حتى أنظر في أمركما فحبسهما ، ثم بعث عيسى شمعون فدخل متنكرا وعاشر أصحاب الملك حتى استأنسوا به وأوصلوه إلى الملك فأنس به ، فقال له يوما : سمعت أنك حبست رجلين فهل سمعت ما يقولانه ، قال فدعاهما فقال شمعون من أرسلكما قالا : الله الذي خلق كل شيء وليس له شريك ، فقال صفاه وأوجزا ، قالا : يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ، قال وما آيتكما ، قالا : ما يتمنى الملك ، فدعا بغلام مطموس العينين فدعوا الله حتى انشق له بصره ، وأخذا بندقتين فوضعاهما في حدقتيه فصارتا مقلتين ينظر بهما ، فقال شمعون أرأيت لو سألت آلهتك حتى تصنع مثل هذا حتى يكون لك ولها الشرف ، قال ليس لي عنك سر آلهتنا لا تسمع ولا تبصر ولا تضر ولا تنفع ، ثم قال أن قدر إهلكما على حياء ميت آمنا به ، فأتوا بغلام مات منذ سبعة أيام فدعوا الله فقام وقال : إني أدخلت في سبعة أودية من النار وأنا أحذركم ما أنتم فيه فآمنوا ، وقال فتحت أبواب السماء فرأيت شابا حسنا يشفع لهؤلاء الثلاثة فقال الملك من هم قال شمعون وهذان فلما رأى شمعون أن قوله قد أثر فيه نصحه فآمن في جمع ، ومن ل يؤمن صاح عليهم جبريل عليه الصلاة والسلام فهلكوا .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِذۡ أَرۡسَلۡنَآ إِلَيۡهِمُ ٱثۡنَيۡنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزۡنَا بِثَالِثٖ فَقَالُوٓاْ إِنَّآ إِلَيۡكُم مُّرۡسَلُونَ} (14)

الضرب للمثل مأخوذ من الضريب الذي هو الشبه في النوع ، كما تقول هذا ضرب هذا ، واختلف هل يتعدى فعل ضرب المثل إلى مفعولين أو إلى واحد ، فمن قال إنه يتعدى إلى مفعولين جعل هذه الآية { مثلاً } و { أصحاب } مفعولين لقوله { اضرب } ، ومن قال إنه يتعدى إلى مفعول واحد جعله { مثلاً } وجعل { أصحاب } بدلاً منه ، ويجوز أن يكون المفعول { أصحاب } ويكون قوله { مثلاً } نصب على الحال ، أي في حال تمثيل منك ، و { القرية } على ما روي عن ابن عباس والزهري وعكرمة أنطاكية ، واختلف المفسرون في «المرسلين » فقال قتادة وغيره : كانوا من الحواريين الذين بعثهم عيسى عليه السلام حين رفع وصلب الذي ألقي عليه شبهه ، فافترق الحواريون في الآفاق فقص الله تعالى هنا قصة الذين نهضوا إلى أنطاكية ، وقالت فرقة : هؤلاء أنبياء من قبل الله تعالى .

قال القاضي أبو محمد : وهذا يرجحه قول الكفرة { ما أنتم إلا بشر مثلنا } فإنها محاورة إنما تقال لمن ادعى الرسالة عن الله تعالى والآخر محتمل ، وذكر النقاش في قصص هذه الآية شيئاً يطول والصحة فيه غير متيقنة فاختصرته ، واللازم من الآية أن الله تعالى بعث إليها رسولين فدعيا أهل القرية إلى عبادة الله تعالى وحده ، وإلى الهدى والإيمان فكذبوهما فشدد الله تعالى أمرهما بثالث وقامت الحجة على أهل القرية ، وآمن منهم الرجل الذي جاء يسعى ، وقتلوه في آخر أمره ، وكفروا فأصابتهم صيحة من السماء فخمدوا ، وقرأ جمهور القراء «فعزّزنا » بشد الزاي الأولى على معنى قوينا وشددنا ، وبهذا فسر مجاهد وغيره ، وقرأ عاصم في رواية المفضل عن أبي بكر «فعزَزنا » بالتخفيف في الزاي على معنى غلبناهم أمرهم{[1]} ، وفي حرف ابن مسعود «فعززنا بالثالث » بألف ولام .


[1]:- أي فيمن نزلت، أفي المؤمنين جميعا أم في مؤمني أهل الكتاب؟

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{إِذۡ أَرۡسَلۡنَآ إِلَيۡهِمُ ٱثۡنَيۡنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزۡنَا بِثَالِثٖ فَقَالُوٓاْ إِنَّآ إِلَيۡكُم مُّرۡسَلُونَ} (14)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله:"إذْ أرْسَلْنا إلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذّبُوهُما فَعَزّزْنا بِثالِثٍ" يقول تعالى ذكره: حين أرسلنا إليهم اثنين يدعوانهم إلى الله فكذّبوهما فشددناهما بثالث، وقوّيناهما به... قال ابن زيد، في قوله: "فَعَزّزْنا بِثالِثٍ "قال: جعلناهم ثلاثة، قال: ذلك التعزّز، قال: والتعزّز: القوّة.

وقوله: "فَقالُوا إنّا إلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ" يقول: فقال المرسلون الثلاثة لأصحاب القرية: إنا إليكم أيها القومُ مرسلون، بأن تُخْلِصوا العبادة لله وحده، لا شريك له، وتتبرّؤوا مما تعبدون من الآلهة والأصنام.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما كان أعظم مقاصد السياق تسلية النبي صلى الله عليه وسلم في توقفهم عن المبادرة إلى الإيمان به، مع دعائه بالكتاب الحكيم إلى الصراط المستقيم، وكان في المشاركة في المصائب أعظم تسلية، أبدل من قوله {إذ جاءها} تفصيلاً لذلك المجيء قوله، مسنداً إلى نفسه المقدس لكونه أعظم في التسلية: {إذ أرسلنا} أي على ما لنا من العظمة.

ولما كان المقصود بالرسالة أصحابها قال: {إليهم اثنين} أي ليعضد أحدهما الآخر فيكون أشد لأمرهما فأخبراهم بإرسالهما إليهم كأن قالا: نحن رسولان إليكم لتؤمنوا بالله {فكذبوهما} أي مع ما لهما من الآيات، لأنه من المعلوم أنا ما أرسلنا رسولاً إلا كان معه من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، سواء كان عنا من غير واسطة أو كان بواسطة رسولنا، كما كان للطفيل بن عمرو الدوسي ذي النور، لما ذهب إلى قومه وسأل النبي صلى الله عليه وسلم أن تكون آية فكانت نوراً في جبهته، ثم سأل أن تكون في غير وجهه فكانت في سوطه.

ولما كان التضافر على الشيء أقوى لشأنه، وأعون على ما يراد منه، سبب عن ذلك قوله حاذفاً المفعول لفهمه من السياق، ولأن المقصود إظهار الاقتدار على إيقاع الفعل وتصريفه في كل ما أريد له: {فعززنا} أي فأوقعنا العزة، وهي القوة والشدة والغلبة، لأمرنا أو لرسولنا بسبب ما وقع لهما من الوهن بالتكذيب فحصل ما أردنا من العزة -بما أشارت إليه قراءة أبي بكر عن عاصم بالتخفيف.

{بثالث} أرسلناه بما أرسلناهما به {فقالوا} أي الثلاثة بعد أن أتوهم وظهر لهم إصرارهم على التكذيب، مؤكدين بحسب ما رأوا من تكذيبهم: {إنا إليكم} أي لا إلى غيركم {مرسلون}.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

وتأكيد قولهم: {إنا إليكم مرسلون} لأجل تكذيبهم إياهم فأكدوا الخبر تأكيداً وسطاً، ويسمى هذا ضرباً طلبياً.

وتقديم المجرور للاهتمام بأمر المرسل إليهم المقصود إيمانهم بعيسى.