غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{إِذۡ أَرۡسَلۡنَآ إِلَيۡهِمُ ٱثۡنَيۡنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزۡنَا بِثَالِثٖ فَقَالُوٓاْ إِنَّآ إِلَيۡكُم مُّرۡسَلُونَ} (14)

1

وفي قوله { إذ أرسلنا } دلالة على أن رسول الرسول رسول وأنه يؤيد مسألة فقهية وهي أن وكيل الوكيل بإذن الموكل وكيل الموكل حتى لا ينعزل بعزل الوكيل إياه وينعزل إذا عزله الموكل الأول ، وكأنه أرسل اثنين ليكون قولهما على قومهما عند عيسى حجة تامة . وكان رسولنا صلى الله عليه وسلم يكتفي بواحد في الأغلب كمعاذ وغيره فمن هنا يعلم ترجيح هذه الأمة . وأما القصة فإن عيسى عليه السلام أرسل إليهم اثنين فلما قربا من المدينة رأيا شيخاً يرعى غنماً واسمه حبيب النجار فسألهما فأخبراه فقال : ما آيتكما ؟ قالا : نشفي المريض ونبرئ الأكمة والأبرص . وكان له ولد مريض من سنتين فمسحاه فبرأ فآمن حبيب وفشا الخبر فشفى على أيديهما خلق كثير ورفع خبرهما إلى الملك فأحضرا فلما سمع قولهما قال : ألنا إله سوى آلهتنا ؟ قالا : نعم . من أوجدك وآلهتك . فحبسهما حتى ينظر في أمرهما فبعث عيسى شمعون وذلك قوله سبحانه { فعززنا بثالث } من قرأ بالتشديد فمعناه فقوّينا الرسولين ، ومن قرأ بالتخفيف فمن العزة أي فغلبنا وقهرنا أهل القرية . وإنما ترك ذكر المفعول به لأن الغرض ذكر الثالث فالعناية بذكره أهم وأتم نظيره قولك : حكم السلطان اليوم بالحق الغرض الذي سبق له الكلام قولك بالحق فلذلك تركت ذكر المحكوم له والمحكوم عليه . وأما باقي القصة فإن شمعون دخل متنكراً وعاشر حاشية الملك حتى استأنسوا به ورفعوا خبره إلى الملك فأنس به فقال له ذات يوم بلغني أنك حبست رجلين فهل سمعت ما يقولانه ؟ قال : لا ، حال الغضب بيني وبين ذلك . فدعاهما فقال شمعون : من أرسلكما قال : الله الذي خلق كل شيء وليس له شريك يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد . قال : وما آيتكما ؟ قالا : ما يتمنى الملك . فدعا بغلام مطموس فدعوا الله حتى انشق له بصر وأخذا بندقتين فوضعاهما في حدقتيه فكانتا مقلتين ينظر بهما فقال شمعون : يا أيها الملك إن شئت أن تغلبهما فقل لآلهتك حتى تصنع مثل هذا . فقال الملك : أنت لا يخفى عليك أنها لا تسمع ولا تبصر ولا تقدر ولا تعلم . وكان شمعون يدخل معهم على الصنم فيصلي ويتضرع ويحسبون أنه منهم . فقال شمعون : فالحق إذاً معهم فآمن الملك وبعض حاشيته وبقي آخرون على الكفر فأهلكوا بالصيحة .

14

/خ44