نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{إِذۡ أَرۡسَلۡنَآ إِلَيۡهِمُ ٱثۡنَيۡنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزۡنَا بِثَالِثٖ فَقَالُوٓاْ إِنَّآ إِلَيۡكُم مُّرۡسَلُونَ} (14)

ولما كان أعظم مقاصد السياق تسلية النبي صلى الله عليه وسلم في توقفهم عن المبادرة إلى الإيمان به مع دعائه بالكتاب الحكيم إلى الصراط المستقيم ، وكان في المشاركة في المصائب أعظم تسلية ، أبدل من قوله { إذ جاءها } تفصيلاً لذلك المجيء قوله ، مسنداً إلى نفسه المقدس لكونه أعظم في التسلية : { إذ أرسلنا } أي على ما لنا من العظمة . ولما كان المقصود بالرسالة أصحابها قال : { إليهم اثنين } أي ليعضد أحدهما الآخر فيكون أشد لأمرهما فأخبراهم بإرسالهما إليهم كأن قالا : نحن رسولان إليكم لتؤمنوا بالله { فكذبوهما } أي مع ما لهما من الآيات ، لأنه من المعلوم أنا ما أرسلنا رسولاً إلا كان معه من الآيات ما مثله آمن عليه البشر ، سواء كان عنا من غير واسطة أو كان بواسطة رسولنا ، كما كان للطفيل بن عمرو الدوسي ذي النور لما ذهب إلى قومه وسأل النبي صلى الله عليه وسلم أن تكون آية فكانت نوراً في جبهته ، ثم سأل أن تكون في غير وجهه فكانت في سوطه .

ولما كان التضافر على الشيء أقوى لشأنه ، وأعون على ما يراد منه ، سبب عن ذلك قوله حاذفاً المفعول لفهمه من السياق ، ولأن المقصود إظهار الاقتدار على إيقاع الفعل وتصريفه في كل ما أريد له : { فعززنا } أي فأوقعنا العزة ، وهي القوة والشدة والغلبة ، لأمرنا أو لرسولنا بسبب ما وقع لهما من الوهن بالتكذيب فحصل ما أردنا من العزة - بما أشارت إليه قراءة أبي بكر عن عاصم بالتخفيف { بثالث } أرسلناه بما أرسلناهما به { فقالوا } أي الثلاثة بعد أن أتوهم وظهر لهم إصرارهم على التكذيب ، مؤكدين بحسب ما رأوا من تكذيبهم : { إنا إليكم } أي لا إلى غيركم { مرسلون *