البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{إِذۡ أَرۡسَلۡنَآ إِلَيۡهِمُ ٱثۡنَيۡنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزۡنَا بِثَالِثٖ فَقَالُوٓاْ إِنَّآ إِلَيۡكُم مُّرۡسَلُونَ} (14)

{ إذا أرسلنا إليهم اثنين } .

الظاهر من أرسلنا أنهم أنبياء أرسلهم الله ، ويدل عليه قوله المرسل إليهم : { ما أنتم إلا بشر مثلنا } .

وهذه المحاورة لا تكون إلا مع من أرسله الله ، وهذا قول ابن عباس وكعب .

وقال قتادة وغيرهم من الحواريين : بعثهم عيسى عليه السلام حين رفع وصلب الذي ألقي عليه الشبه ، فافترق الحواريون في الآفاق ، فقص الله قصة الذين ذهبوا إلى أنطاكية ، وكان أهلها عباد أصنام ، صادق وصدوق ، قاله وهب وكعب الأحبار .

وحكى النقاش بن سمعان : ويحنا .

وقال مقاتل : تومان ويونس .

{ فكذبوهما } ، أي دعواهم إلى الله ، وأخيراً بأنهما رسولا الله ، { فكذبوهما فعززنا بثالث } : أي قوينا وشددنا ، قاله مجاهد وابن قتيبة ، وقال ؛ يقال تعزز لحم الناقة إذا صلب ، وقال غيره : يقال المطر يعزز الأرض إذا لبدها وشدها ، ويقال للأرض الصلبة القرآن ، هذا على قراءة تشديد الزاي ، وهي قراءة الجمهور .

وقرأ الحسن ، وأبو حيوة ، وأبو بكر ، والمفضل ، وأبان : بالتخفيف .

قال أبو علي : فغلبنا .

انتهى ، وذلك من قولهم من عزني ، وقوله تعالى : { وعزني في الخطاب } وقرأ عبد الله : بالثالث ، بألف ولام ، والثالث شمعون الصفا ، قاله ابن عباس .

وقال كعب ، ووهب : شلوم ؛ وقيل : يونس .

وحذف مفعول فعززنا مشدداً ، أي قويناهما بثالث مخففاً ، فغلبناهم : أي بحجة ثالث وما يلطف به من التوصل إلى الدعاء إلى الله حتى من الملك على ما ذكر في قصتهم ، وستأتي هي أو بعض منها إن شاء الله .