قوله تعالى : { وقاتلوهم } . يعني المشركين .
قوله تعالى : { حتى لا تكون فتنة } . أي شرك ، يعني قاتلوهم حتى يسلموا ، فلا يقبل من الوثني إلا الإسلام فإن أبى قتل .
قوله تعالى : { ويكون الدين } . أي الطاعة والعبادة .
قوله تعالى : { لله } . وحده ، فلا يعبد شيء دونه . قال نافع : جاء رجل إلى ابن عمر في فتنة ابن الزبير فقال : ما يمنعك أن تخرج ؟ قال : يمنعني أن الله حرم دم أخي ، قال : ألا تسمع ما ذكره الله عز وجل ( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا ) فقال : يا ابن أخي : لأن أعتبر بهذه الآية ولا أقاتل ، أحب إلي من أن أعتبر بالآية التي يقول الله عز وجل فيها ( ومن يقتل مؤمناً متعمداً ) . قال : ألم يقل الله ، ( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ) ؟ قال قد فعلنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ كان الإسلام قليلاً ، وكان الرجل يفتن في دينه ، إما يقتلونه أو يعذبونه ، حتى كثر الإسلام ، فلم تكن فتنة ، وكان الدين لله ، وأنتم تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة ويكون الدين لغير الله .
وعن سعيد بن جبير قال : قال رجل لابن عمر : كيف ترى في قتال الفتنة ؟ فقال : هل تدري ما الفتنة ؟ كان محمد صلى الله عليه وسلم يقاتل المشركين ، وكان الدخول عليهم فتنة ، وليس قتالكم كقتالهم على الملك .
قوله تعالى : { فإن انتهو } . عن الكفر وأسلموا .
قوله تعالى : { فلا عدوان } . فلا سبيل .
قوله تعالى : { إلا على الظالمي } . قال ابن عباس : يدل عليه قوله تعالى ( أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي ) أي ، فلا سبيل علي ، وقال أهل المعاني : العدوان الظلم ، أي فإن أسلموا فلا نهب ولا أسر ولا قتل ، إلا على الظالمين . الذين بقوا على الشرك ، وما يفعل بأهل الشرك من هذه الأشياء لا يكون ظلماً ، وسماه عدواناً على طريق المجازاة والمقابلة ، كما قال : ( فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه ) وكقوله تعالى ( وجزاء سيئة سيئة مثلها ) وسمي الكافر ظالماً لأنه يضع العبادة في غير موضعها .
وقوله - تعالى - : { وَقَاتِلُوهُمْ حتى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدين للَّهِ } معطوف على جملة { وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله الذين يُقَاتِلُونَكُمْ } والضمير " هم " يعود على الذين يقاتلون المسلمين وهم من سبق الحديث عنهم .
والمراد من { والفتنة } الشرك وما يتبعه من أذى المشركين للمسلمين واضطهادهم وتعذيبهم .
قال الآلوسي : ويؤيده أن مشركي العرب ليس في حقهم إلا الإِسلام أو السيف . لقوله - سبحانه - : { تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ } وفي الصحيحين عن ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة ، فإذا فعلوا ذلك عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحق الإِسلام وحسابهم على الله " .
والدين في اللغة : العادة والطاعة ثم استعمل فيما يتعبد به الله - تعالى - سواء أكان ما تعبد الصلاح في الحال والفلاح في المآل .
والمعنى : قالتوا أولئك المشركين حتى تزيلوا الشرك ، وحتى تكسروا شوكتهم ولا يستطيعوا أن يفتنوا طائفة من أهل الدين الحق ، وحتى يكون الدين الظاهر في الأرض هو الدين الذي شرعه الله - تعالى - على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم .
وقد تحقق ذلك بالقتال الذي داربين المسلمين وبين المشركين في أكثر من عشرين غزوة قادها النبي صلى الله عليه وسلم وفي أكثر من أربعين سرية بعث فيها أصحابه ، وكانت ثمار هذه المعارك أن انتصر الحق وزهق الباطل ، وقبل أن يلتحق النبي صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى كان الدين الظاهر في جزيرة العرب هو الدين الإِسلامي الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم .
ثم ختم - سبحانه - الآية بقوله : { فَإِنِ انتهوا فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظالمين } والعدوان في أصل اللغة : الاعتداء والظلم الذي هو من الأفعال المحرمة والمراد به في الآية القتل حيث يرتكب جزاء للظالمين .
والفاء في قوله : { فَإِنِ انتهوا } للتعقيب . وقوله : { فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظالمين } قائم مقام جواب الشرط ، لأنه علة الجواب المحذوف .
والمعنى : فإن امتنعوا عن قتالكم ولم يقدموا عليه ، وأذعنوا لتعاليم الإِسلام ، فكفوا عن قتالهم ، لأنهم قد انتفى عنهم وصف الظلم ، وما دام قد انتفى عنهم هذا الوصف فلا يصح أن تقاتلوهم ، إذ القتال إنما يكون للظالمين تأديباً لهم ليرجعوا عن ظلمهم .
ففي الجملة الكريمة إيجاز بالحذف ، واستغناء عن المحذوف بالتعليل الدال عليه .
قال الإِمام الرازي : أما قوله - تعالى - : { فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظالمين } ففيه وجهان :
الأول : فإن انتهوا فلا عدوان أي : فلا قتل إلا على الذين لا ينتهون عن الكفر ، فإنهم بإصرارهم على كفرهم ظالمون لأنفسهم قال - تعالى - { إِنَّ الشرك لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } فإن قيل : لم يسمى ذلك القتل عدوانا مع أنه في نفسه صواب ؟ قلنا : لأن ذلك القتل جزاء العدوان فصح إطلاق اسم العدوان عليه ، كقوله - تعالى - : { وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } الثاني : إن تعرضتم لهم بعد انتهائهم عن الشرك والقتال كنتم أنتم ظالمين ، فتسلط عليكم من يعتدى عليكم .
وغاية القتال هي ضمانة ألا يفتن الناس عن دين الله ، وألا يصرفوا عنه بالقوة أو ما يشبهها كقوة الوضع الذي يعيشون فيه بوجه عام ، وتسلط عليهم فيه المغريات والمضللات والمفسدات . وذلك بأن يعز دين الله ويقوى جانبه ، ويهابه أعداؤه ، فلا يجرؤوا على التعرض للناس بالأذى والفتنة ، ولا يخشى أحد يريد الإيمان أن تصده عنه قوة أو أن تلحق به الأذى والفتنة . . والجماعة المسلمة مكلفة إذن أن تظل تقاتل حتى تقضي على هذه القوى المعتدية الظالمة ؛ وحتى تصبح الغلبة لدين الله والمنعة :
( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله . فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين )
وإذا كان النص - عند نزوله - يواجه قوة المشركين في شبه الجزيرة ، وهي التي كانت تفتن الناس ، وتمنع أن يكون الدين لله ، فإن النص عام الدلالة ، مستمر التوجيه . والجهاد ماض إلى يوم القيامة . ففي كل يوم تقوم قوة ظالمة تصد الناس عن الدين ، وتحول بينهم وبين سماع الدعوة إلى الله ، والاستجابة لها عند الاقتناع ، والاحتفاظ بها في أمان . والجماعة المسلمة مكلفة في كل حين أن تحطم هذه القوة الظالمة ؛ وتطلق الناس أحرارا من قهرها ، يستمعون ويختارون ويهتدون إلى الله .
وهذا التكرار في الحديث عن منع الفتنة ، بعد تفظيعها واعتبارها أشد من القتل . . هذا التكرار يوحي بأهمية الأمر في اعتبار الإسلام ؛ وينشىء مبدأ عظيما يعني في حقيقته ميلادا جديدا للإنسان على يد الإسلام . ميلادا تتقرر فيه قيمة الإنسان بقيمة عقيدته ، وتوضع حياته في كفة وعقيدته في كفة ، فترجح كفة العقيدة . كذلك يتقرر في هذا المبدأ من هم أعداء " الإنسان " . . إنهم أولئك الذين يفتنون مؤمنا عن دينه ، ويؤذون مسلما بسبب إسلامه . أولئك الذين يحرمون البشرية أكبر عنصر للخير ويحولون بينها وبين منهج الله . . وهؤلاء على الجماعة المسلمة أن تقاتلهم ، وأن تقتلهم حيث وجدتهم ( حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله ) . .
وهذا المبدأ العظيم الذي سنه الإسلام في أوائل ما نزل من القرآن عن القتال ما يزال قائما . وما تزال العقيدة تواجه من يعتدون عليها وعلى أهلها في شتى العصور . . وما يزال الأذي والفتنة تلم بالمؤمنين أفرادا وجماعات وشعوبا كاملة في بعض الأحيان . . وكل من يتعرض للفتنة في دينه والأذى في عقيدته في أية صورة من الصور ، وفي أي شكل من الأشكال ، مفروض عليه أن يقاتل وأن يقتل ؛ وأن يحقق المبدأ العظيم الذي سنه الإسلام ، فكان ميلادا جديدا للإنسان . .
فإذا انتهى الظالمون عن ظلمهم ؛ وكفوا عن الحيلولة بين الناس وربهم ؛ فلا عدوان عليهم - أي لا مناجزة لهم - لأن الجهاد إنما يوجه إلى الظلم والظالمين :
( فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين ) .
ويسمى دفع الظالمين ومناجزتهم عدوانا من باب المشاكلة اللفظية . وإلا فهو العدل والقسط ودفع العدوان عن المظلومين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.