غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَقَٰتِلُوهُمۡ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتۡنَةٞ وَيَكُونَ ٱلدِّينُ لِلَّهِۖ فَإِنِ ٱنتَهَوۡاْ فَلَا عُدۡوَٰنَ إِلَّا عَلَى ٱلظَّـٰلِمِينَ} (193)

190

قوله تعالى : { وقاتلوهم } وقيل : إنه ناسخ لقوله : { ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام } وهو وهم لأن البداءة بالمقاتلة عند المسجد الحرام نفت حرمته . غاية ما في الباب أن هذه الآية عامة وما قبلها مخصصة إياها وهذا جائز ، فإن القرآن ليس على ترتيب النزول ، ولو كان على الترتيب أيضاً فلا يضرنا لجواز نزول الخاص قبل العام عندنا وذلك أن الخاص قاطع في دلالته تقدم أو تأخر ، والعام دلالته على ما يدل عليه الخاص غير مقطوع بها فلابد من التخصيص جمعاً بينهما { حتى لا تكون فتنة } قيل : أي شرك وكفر . وعلى هذا فالآية محمولة على الأغلب . فإن قتالهم لا يزيل الكفر رأساً ، وإنما الغالب الإزالة لأن من قتل منهم فقد زال كفره ومن لم يقتل كان خائفاً من الثبات على كفره . والحاصل قاتلوهم حتى تكون كلمة الله هي العليا وهو المراد أيضاً من قوله : { ويكون الدين لله } أي ليس للشيطان فيه نصيب لوضوح شأنه وسطوع برهانه كما قال تعالى : { ليظهره على الدين كله } [ الصف : 9 ] ولا يعبأ بالمخالف لقلة شوكته وسقوطه عن درجة الاعتداد به ، أو محمولة على قصد إزالة الكفر فترتب هذا العزم على القتال كلي لا يتخلف عنه . وقيل : فتنتهم أنهم كانوا يضربون أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ويؤذونهم حتى ذهب بعضهم إلى الحبشة ثم إلى المدينة ، أي قاتلوهم حتى تظهروا عليهم ولا يفتنوكم عن دينكم . وعن أبي مسلم : معناه قاتلوهم حتى لا يكون منهم القتال الذي إذا بدأوا به كان فتنة على المؤمنين لما يخافون عنده من أنواع المضار . ولا يخفى أن قوله : { ويكون الدين لله } يرجح القول الأول ليكون المعنى : وقاتلوهم حتى يزول الكفر ويظهر الإسلام { فإن انتهوا } عن الأمر الذي وجب قتالهم لأجله وهو إما الكفر أو القتال { فلا عدوان إلاّ على الظالمين } أي فلا تعدوا على المنتهين فيكون مجموع قوله { إلاّ على الظالمين } قائماً مقام على المنتهين . لأن مقاتلة المنتهين عدوان وظلم ، فنهوا عنه بدليل انحصاره في غير المنتهين . أو فلا تظلموا إلا الظالمين غير المنتهين . وعلى الوجهين سمي جزاء الظلم ظلماً للمشاكلة كما يجيء في قوله تعالى : { فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } أو أريد إنكم إن تعرضتم لهم بعد الانتهاء كنتم ظالمين فيتسلط عليكم من يعدو عليكم .

/خ190