فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَقَٰتِلُوهُمۡ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتۡنَةٞ وَيَكُونَ ٱلدِّينُ لِلَّهِۖ فَإِنِ ٱنتَهَوۡاْ فَلَا عُدۡوَٰنَ إِلَّا عَلَى ٱلظَّـٰلِمِينَ} (193)

{ وقاتلوهم } فيه الأمر بمقاتلة المشركين ولو في الحرم وإن لم يبتدؤوكم بالقتال فيه ، وهذا هو الذي استقر عليه الحكم الآن { حتى } أي إلى غاية هي أن { لا تكون فتنة ويكون الدين لله } وهو الدخول في الإسلام والخروج عن سائر الأديان المخالفة له فمن دخل في الإسلام وأقلع عن الشرك لم يحل قتاله وقيل المراد بالفتنة هنا الشرك والظاهر أنها الفتنة في الدين عما عمومها كما سلف .

{ فإن انتهوا } يعني عن القتال وقيل عن الشرك والكفر { فلا عدوان إلا على الظالمين } أي لا تظلموا إلا الظالمين أي لا تعتدوا إلا على ظلم ؛ وهو من لم ينته عن الفتنة ولم يدخل في الإسلام ، وإنما سمي جزاء الظالمين عدوانا مشاكلة كقوله تعالى { وجزاء سيئة سيئة مثلها } وقوله { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه } .

وسمي الكافر ظالما لوضعه العبادة في غير موضعها والنفي هنا بمعنى النهي لئلا يلزم الخلف في خبره تعالى ، والعرب إذا بالغت في النهي عن الشيء أبرزته في صورة النفي المحض إشارة إلى أنه ينبغي أن لا يوجد البتة فدلوا على هذا المعنى بما ذكرت لك وعكسه في الإثبات إذا بالغوا في الأمر بالشيء أبرزوه في صورة الخبر نحو { والوالدات يرضعن } وسيأتي .