الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَقَٰتِلُوهُمۡ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتۡنَةٞ وَيَكُونَ ٱلدِّينُ لِلَّهِۖ فَإِنِ ٱنتَهَوۡاْ فَلَا عُدۡوَٰنَ إِلَّا عَلَى ٱلظَّـٰلِمِينَ} (193)

قوله تعالى : { حَتَّى لاَ تَكُونَ } : يجوزُ في " حتى " أن تكونَ معنى كي ، وهو الظاهرُ ، وأن تكونَ بمعنى إلى ، وأَن مضمرةٌ بعدَها في الحالين . و " تكونُ " هنا تامةٌ و " فتنةٌ " فاعلٌ بها ، وأمَّا { وَيَكُونَ الدِّينُ للَّهِ } فيجوزُ أن تكونَ تامةً أيضاً ، وهو الظاهرُ ، ويتعلَّقُ " لله " بها ، وأن تكونَ ناقصةً و " لله " الخبرَ ، فيتعلَّقُ بمحذوفٍ أي : كائناً لله . و { إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ } في محلِّ رفعٍ خبرُ " لا " التبرئةِ ، ويجوزُ أن يكونَ خبرُها محذوفاً تقديرُه : لا عدوانَ على أحد ، فيكونُ " إلا على الظالمين " بدلاً على إعادةِ تكرارِ العامل . وهذه الجملةُ وإنْ كانَتْ بصورةِ النفي فهي في معنى النهي ، لئلا يلزم الخُلْفُ في خبره تعالى ، والعربُ إذا بالَغَتْ في النهي عن الشيء ، أَبْرَزَتْه في صورةِ النفي المَحْضِ كأنه ينبغي ألاَّ يوجدَ البتةَ فَدَلُّوا على هذا المعنى بما ذكرْتُ لك ، وعكسُه في الإِثباتِ إذا بَالَغُوا في الأمرِ بالشيءِ أبرزوه في صورة الخبرِ نحو : { وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ } [ البقرة : 17 ] وسيأتي .