قوله تعالى : { يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى } ، قرأ أبو عمرو وأبو جعفر : ( من الأسارى ) بالألف ، والباقون بلا ألف . نزلت في العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه ، وكان أسر يوم بدر ، وكان أحد العشرة الذين ضمنوا طعام أهل بدر ، وكان يوم بدر نوبته ، وكان خرج بعشرين أوقية من الذهب ليطعم بها الناس ، فأراد أن يطعم ذلك اليوم فاقتتلوا وبقيت العشرون أوقية معه ، فأخذت منه في الحرب ، فكلم النبي صلى الله عليه وسلم أن يحتسب العشرين أوقية من فدائه فأبى وقال : أما شيء خرجت تستعين به علينا فلا أتركه لك ، وكلف فداء بني أخيه عقيل بن أبي طالب ، ونوفل بن الحارث ، فقال العباس : يا محمد ، تركتني أتكفف قريشاً ما بقيت ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فأين الذهب الذي دفعته إلى أم الفضل وقت خروجك من مكة وقلت لها : إني لا أدري ما يصيبني في وجهي هذا ، فإن حدث بي حدث فهو لك ، ولعبد الله ، ولعبيد الله ، وللفضل ، وقثم ، يعني الأربعة ، فقال له العباس : وما يدريك ؟ قال : أخبرني به ربي عز وجل ، قال العباس : أشهد أنك صادق ، وقال : لا إله إلا الله وأنك عبده ورسوله ، ولم يطلع عليه أحد إلا الله عز وجل ، فذلك قوله تعالى : { يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى } الذين أخذت منهم الفداء .
قوله تعالى : { أن يعلم الله في قلوبكم خيراً } ، أي إيماناً .
قوله تعالى : { يؤتكم خيراً مما أخذ منكم } من الفداء .
قوله تعالى : { ويغفر لكم } ، ذنوبكم .
قوله تعالى : { والله غفور رحيم } قال العباس رضي الله عنه : فأبدلني الله عنها عشرين عبداً كلهم تاجر يضرب بمال كثير وأدناهم يضرب بعشرين ألف درهم مكان عشرين أوقية ، وأعطاني زمزم وما أحب أن لي بها جميع أموال مكة ، وأنا أنتظر المغفرة من ربي عز وجل .
ثم أمرت السورة النبى - صلى الله عليه وسلم - أن يخبر الأسرى بأنهم إذا فتحوا قلوبهم للحق واستجابوا له - سبحانه - سيعوضهم عما فقدوه خيراً منه ، أما إذا استمروا في كفرهم وعنادهم فإن الدائرة ستدور عليهم . استمع إلى السورة الكريمة وهى تصور هذا المعنى بأسلوبها البليغ فتقول : { ياأيها النبي . . . والله عَلِيمٌ حَكِيمٌ } .
قال : ابن كثير : " عن الزهرى عن جماعة سماهم قالوا : بعثت قريش إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في فداء أسراهم ، ففدى كل قوم أسيرهم بما رضوا .
وقال العباس : يا رسول الله ! قد كنت مسلماً ! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " الله أعلم بإسلامك ، فإن يكن كما تقول ، فإن الله يجزيك . وأما ظاهرك فقد كان علينا ، فافتد نفسك وابنى أخيك نوفل بن الحارث ، وعقيل بن أبى طالب ، وحليفك عتبة بن عمرو أخى بنى الحارث بن فهر
" . قال العباس : ما ذاك عندى يا رسول الله ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " فأين المال الذي دفنته أنت وأم الفضل ، فقلت لها : إن أصبت في سفرى هذا فهذا المال الذي دفنته لبنىّ : الفضل ، وعبد الله ، وقثم " ؟
قال : والله يا رسول الله إنى لأعلم أنك رسول الله . إن هذا الشئ ما علمه أحد غيرى وغير أم الفضل ، فاحسب لى يا رسول الله ما أصبتم منى : - عشرين أوقية من مال كان معى - .
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم " لا ، ذاك شئ أعطانا الله منك " .
ففدى نفسه وابنى أخويه وحليفه . فأنزل الله - تعالى - فيه { ياأيها النبي قُل لِّمَن في أَيْدِيكُمْ مِّنَ الأسرى } الآية .
قال العباس : فأعطانى الله مكان العشرين الأوقية في الإسلام ، عشرين عبداً كلهم في يده مال يضرب به . مع ما أجرو من مغفرة الله - تعالى - " .
وفى صحيح البخارى " عن أنس : أن رجالاً من الأنصار قالوا : يا رسول الله ائنذ لنا فلنترك لابن أختنا عباس فداءه .
فقال - صلى الله عليه وسلم - : " لا والله ! لا تذرون منها درهما " هذا والآية الكريمة وإن كانت قد نزلت في العباس إلا أنها عامة في جميع الأسرى : إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، ولأن الخطاب فيها موجه إلى سائر الأسرى لا إلى فرد منهم دون آخر .
والمعنى : { ياأيها النبي قُل لِّمَن في أَيْدِيكُمْ } أى : قل للذين تحت تصرف أيدكم { مِّنَ الأسرى } أى : من اسرى المشركين في بدر الذين أخذتم منهم الفداء لتطلقوا سراحهم .
قل لهم - أيها النبى الكريم - { إِن يَعْلَمِ الله فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً } أى : إيماناً وتصديقاً وعزماً على اتباع الحق ونبذ الكفر والعناد . . إن يعلم الله - تعالى - منكم ذلك { يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِّمَّآ أُخِذَ مِنكُمْ } من فداء ، بأن يخلفه عليكم في الدنيا ، ويمنحكم الثواب الجزيل في الآخرة .
ولقد صدق الله - تعالى - وعده مع من آمن وعمل صالحاً من هؤلاء الأسرى ، فأعطاهم الكثير من نعمه كما قال العباس - رضى الله عنه -
وقوله : { وَيَغْفِرْ لَكُمْ } زيادة في حضهم على الدخول في الإِيمان .
وقوله : { والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } تذييل قصد به تأكيد ما قبله من الوعد بالخير والمغفرة .
أى : والله - تعالى - واسع المغفرة ، والرحمة لمن استجاب للحق ، وقدم العمل الصالح .
والتعبير ، بقوله : { لِّمَن في أَيْدِيكُمْ } للإِشعار بأن هؤلاء الأسرى المشركين قد صاروا في قبضة المؤمنين وتحت تصرفهم ، حتى لكأن أيديهم قابضة عليهم .
وأسند وجود الخير في قلوبهم إلى علم الله - تعالى - للإِشارة إلى أن ادعاء الإِيمان باللسان فقط لا يكفل لهم الحصول على الخير الذي فقدوه ولا يوصلهم إلى مغفرة الله - تعالى - فعليهم أن يخلصوا لله في إيمانهم حتى ينالوا فضله وثوابه ، فهو - سبحانه - عليم بذات الصدور .
ثم يلمس قلوب الأسرى لمسة تحيي فيها الرجاء ، وتطلق فيها الأمل ، وتشيع فيها النور ، وتعلقها بمستقبل خير من الماضي ، وبحياة أكرم مما كانوا فيه ، وبكسب أرجح مما فقدوا من مال وديار وبعد ذلك كله بالمغفرة والرحمة من الله :
( يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى : إن يعلم الله في قلوبكم خيراً يؤتكم خيراً مما أخذ منكم ، ويغفر لكم ، والله غفور رحيم ) . .
هذا الخير كله معلق بأن تصلح قلوبهم فتتفتح لنور الإيمان ؛ فيعلم الله أن فيها خيراً . . والخير هو الإيمان حتى ما يحتاج إلى ذكر وتنصيص . الخير محض الخير ، والذي لا يسمى شيء ما خيراً إلا أن يستمد منه وينبثق منه ويقوم عليه .
إن الإسلام إنما يستبقي الأسرى لديه ، ليلمس في قلوبهم مكامن الخير والرجاء والصلاح ، وليوقظ في فطرتهم أجهزة الاستقبال والتلقي والتأثر والاستجابة للهدى . لا ليستذلهم انتقاماً ، ولا ليسخرهم استغلالاً ؛ كما كانت تتجه فتوحات الرومان ؛ وكما تتجه فتوحات الأجناس والأقوام !
عن الزهري عن جماعة سماهم قال : بعثت قريش في فداء أسراهم ، ففدى كل قوم أسيرهم بما رضوا . وقال العباس : يا رسول الله قد كنت مسلماً ! فقال رسول الله [ ص ] : " الله أعلم بإسلامك ، فإن تكن كما تقول فإن الله يجزيك ، وأما ظاهرك فقد كان علينا ، فافتد نفسك وابني أخيك نوفل بن الحارث ابن عبد المطلب ، وعقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب ، وحليفك عتبة بن عمرو أخي بني الحارث بن فهر " : قال " : ما ذاك عندي يا رسول الله " ! قال : " فأين المال الذي دفنته أنت وأم الفضل ، قلت لها : إن أصبت في سفري هذا فهذا المال الذي دفنته لبني الفضل وعبدالله وقثم ? " . قال : " والله يا رسول الله إني لأعلم أنك رسول الله . إن هذا لشيء ما علمه أحد غيري وغير أم الفضل . فاحسب لي يا رسول الله ما أصبتم مني - عشرين أوقية من مال كان معي " ! - فقال رسول الله [ ص ] : " لا . ذاك شيء أعطانا الله تعالى منك " . ففدى نفسه وبني أخويه وحليفه . فأنزل الله عز وجل : ( يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيراً يؤتكم خيراً مما أخذ منكم ، ويغفر لكم ، والله غفور رحيم ) . . قال العباس : فأعطاني الله مكان العشرين الأوقية في الإسلام عشرين عبداً كلهم في يده مال يضرب به ، مع ما أرجو من مغفرة الله عز وجل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.