فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّمَن فِيٓ أَيۡدِيكُم مِّنَ ٱلۡأَسۡرَىٰٓ إِن يَعۡلَمِ ٱللَّهُ فِي قُلُوبِكُمۡ خَيۡرٗا يُؤۡتِكُمۡ خَيۡرٗا مِّمَّآ أُخِذَ مِنكُمۡ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (70)

{ يا أيها النبي } خاطب الله النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهذا أي { قل لمن } أي لهؤلاء الذين { في أيديكم من الأسرى } أسرتموهم يوم بدر وأخذتم منهم الفداء { إن يعلم الله في قلوبكم خيرا } من حسن إيمان وصلاح نية وخلوص طوية { يؤتكم خيرا مما أخذ منكم } من الفداء أي يعوضكم في هذه الدنيا رزقا خيرا منه وأنفع لكم ، أو في الآخرة بما يكتبه لكم من المثوبة بالأعمال الصالحة { ويغفر لكم } ذنوبكم { والله غفور رحيم } شأنه المغفرة لعباده والرحمة بهم .

وقد أخرج الحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن عائشة قالت : لما بعث أهل مكة في فداء أسراهم بعثت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في فداء أبي العاص{[862]} وبعثت فيه بقلادة ، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم رق رقة شديدة وقال إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها{[863]} .

وقال العباس{[864]} إني كنت مسلما يا رسول الله قال : الله أعلم بإسلامك فإن يكن كما تقول فالله يجزيك فافد نفسك وابني أخويك نوفل بن الحرث وعقيل بن أبي طالب وحليفك عتبة بن عمرو ، ففدى نفسه وابني أخويه وحليفه ونزلت { قل لمن في أيديكم من الأسرى } الآية{[865]} ، الحديث مختصرا والروايات في هذا الباب كثيرة{[866]} .

قال العباس : فأبدلني الله خيرا مما أخذ مني ، عشرين عبدا كلهم تاجر يضرب بمال كثير أدناهم يضرب بعشرين ألف درهم مكان عشرين أوقية ، وأعطاني زمزم وأنا أنتظر المغفرة .


[862]:- زوجها.
[863]:- المستدرك كتاب زينب بنت خديجة 4/ 45.
[864]:- عم رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يظهر إسلامه.
[865]:- الإمام أحمد 1/ 353.
[866]:- قال مقاتل: إن الله غفور لما أخذتم من الغنيمة قبل حلها، رحيم بكم إذ أحلها لكم. فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب، وخباب بن الأرت يوم بدر على القبض، وقسمها النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة، وانطلق بالأسارى، فيهم العباس، وعقيل، ونوفل بن الحارث ابن عبد المطلب. وكان مع العباس يومئذ عشرون أوقية من ذهب، فلم تحسب له من فدائه، وكلف أن يفدي ابني أخيه، فأدى عنهما ثمانية أوقية من ذهب. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أضعفوا على العباس الفداء" فأخذوا منه ثمانية أوقية، وكان فداء كل أسير أربعين أوقية. فقال العباس لرسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد تركتني ما حييت أسأل قريشا بكفي. فقال له: "أين الذهب الذي تركته عند أم الفضل"؟ فقال: أي الذهب؟ فقال: "إنك قلت لها: إني لا أدري ما يصيبني في وجهي هذا، فإن حدث بي حدث، فهو لك ولولدك" فقال: ابن أخي، من أخبرك؟ فقال: "الله أخبرني"، فقال العباس: أشهد أنك صادق، وما علمت أنك رسول الله قبل اليوم؛ وأمر ابني أخيه فأسلما. وفيهم نزلت: {قل لمن في أيديكم من الأسرى} الآية.