قوله تعالى : { يا أيها النبي قُل لِّمَن في أَيْدِيكُمْ مِّنَ الأسرى } الآية .
لمَّا أخذ الفداء من الأسارى ، وشق عليهم أخذ أموالهم ، ذكر اللَّهُ تعالى هذه الآية استمالة لهم .
قوله : " مِنَ الأسْرَى " قرأه أبو{[17514]} عمرو بزنة " فُعَالى " والباقون بزنة " فَعْلى " وقد عُرِفَ ما فيهما .
ووافق أبا عمرو قتادة ونصر بن عاصم وابن أبي إسحاق وأبو جعفر . واختلف عن الجحدري والحسن . وقرأ ابنُ{[17515]} مُحَيْصنٍ " مِنْ أسْرَى " منكَّراً .
قوله : " يُؤتِكُمْ " جواب الشَّرط . وقرأ الأعمشُ{[17516]} " يُثِبْكم " من الثَّواب ، وقرأ الحسنُ{[17517]} وأبو حيوة وشيبة وحميد " مِمَّا أخَذَ " مبنياً للفاعل ، وهو الله تعالى .
وهذه الآية نزلت في العباس بن عبد المطلب ؛ وكان قد أسر يوم بدر .
وكان أحد العشرة الذين ضمنوا إطعام أهل بدر ، وكان يوم بدر نوبته ، وكان خرج بعشرين أوقية من ذهب ليطعم بها النَّاسَ ، فأراد أن يطعم ذلك اليوم فاقتتلوا وبقيت العشرون أوقية معه ، فأخذت منه في الحرب ، فكلَّم النبي صلى الله عليه وسلم أن يحسب العشرين أوقية من فدائه فأبى وقال : " أما شيء خرجت تستعين به علينا ، فلا أتركه " وكلفه فداء ابني أخويه عقيل بن أبي طالبٍ ، ونوفل بن الحارث ، فقال العبَّاسُ : يا محمَّدُ تركتني أتكَفَّفُ قريشاً ما بقيت ؟ .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وأيْنَ الذهبُ الذي دفعته إلى أم الفضل وقت خروجك من مكَّة ، فقلت لها : إني لا أدري ما يُصيبني في وجهي هذا فإن حدث لي حدث ، فهو لك ولعبد الله ولعبيد الله والفضل وقُثَم " يعني : بنيه .
" فقال العبَّاس : وما يُدْريك ؟ قال : " أخبرني به ربِّي "
قال العباسُ : أشهد أنَّك صادق وأن لا إله إلاَّ الله ، وأنَّك عبده ورسوله ، والله لم يطلعْ عليه أحدٌ إلاَّ الله ، ولقد رفعته إليها في سوادِ الليلِ ، وقد كنتُ مُرْتَاباً في أمرك ، فأمَّا إذْ أخبرتني بذلك ، فلا ريب .
فذلك قوله عز وجل : { يا أيها النبي قُل لِّمَن في أَيْدِيكُمْ مِّنَ الأسرى } الذين أخذتم منهم الفداء { إِن يَعْلَمِ الله فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً } أي : إيماناً : { يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ } من الفداء : " ويغْفِرْ لَكُمْ " ذنوبكم : { والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } قال العباس فأبدلني اللَّهُ عنها عشرين عبداً كلهم تاجر بمالي ، وإنَّ أدناهم يضرب بعشرين ألف درهم مكان العشرين أوقية ، وأعطاني زمزم ، وما أحب أنَّ لي بها جميع أموال أهل مكة وأنا أنتظر المغفرة من ربي .
اختلف المفسرون في أن الآية نزلت في العباس خاصة ، أو في جملة الأسارى .
قال قوم : إنَّها في العباس خاصة ، وقال آخرون : إنَّها نزلت في الكلِّ ، وهذا أولى لقوله تعالى : { قُل لِّمَن في أَيْدِيكُمْ مِّنَ الأسرى } ، ولقوله " مِنَ الأسْرَى " ، ولقوله " فِي قُلوبكم " ولقوله : يُؤتِكُمْ خَيْراً " ، ولقوله " مِمَّا أخذَ منكُمْ " ، وقوله : " ويَغْفِر لكُمْ " ، أقصى ما في الباب أن يقال : سبب نزول الآية هو العباسُ ، إلاَّ أنَّ العبرة بعموم اللَّفْظِ لا بخصوص السَّبَبِ .
احتج هشام بن الحكم على أنَّهُ تعالى لا يعلم الشَّيء إلاَّ عند حدوثه بهذه الآية ، لأن قوله : { إِن يَعْلَمِ الله فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً } فعل كذا ، وكذا شرط وجزاء ، والشَّرط هو حصول هذا العلم ، والشرط والجزاء لا يصح حصولهما إلا في المستقبل ، وذلك يوجب حدوث علم الله تعالى .
والجواب : أنَّ ظاهر اللفظ وإن كان يقتضي ما ذكره ، إلاَّ أنه لمَّا دلَّ الدليلُ على أن علم الله يمتنع أن يكون محدثاً ، وجب أن يقال : ذكر العلم وأراد به المعلوم من حيث إنَّه يدل حصول العلم على حصول المعلوم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.