اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّمَن فِيٓ أَيۡدِيكُم مِّنَ ٱلۡأَسۡرَىٰٓ إِن يَعۡلَمِ ٱللَّهُ فِي قُلُوبِكُمۡ خَيۡرٗا يُؤۡتِكُمۡ خَيۡرٗا مِّمَّآ أُخِذَ مِنكُمۡ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (70)

قوله تعالى : { يا أيها النبي قُل لِّمَن في أَيْدِيكُمْ مِّنَ الأسرى } الآية .

لمَّا أخذ الفداء من الأسارى ، وشق عليهم أخذ أموالهم ، ذكر اللَّهُ تعالى هذه الآية استمالة لهم .

قوله : " مِنَ الأسْرَى " قرأه أبو{[17514]} عمرو بزنة " فُعَالى " والباقون بزنة " فَعْلى " وقد عُرِفَ ما فيهما .

ووافق أبا عمرو قتادة ونصر بن عاصم وابن أبي إسحاق وأبو جعفر . واختلف عن الجحدري والحسن . وقرأ ابنُ{[17515]} مُحَيْصنٍ " مِنْ أسْرَى " منكَّراً .

قوله : " يُؤتِكُمْ " جواب الشَّرط . وقرأ الأعمشُ{[17516]} " يُثِبْكم " من الثَّواب ، وقرأ الحسنُ{[17517]} وأبو حيوة وشيبة وحميد " مِمَّا أخَذَ " مبنياً للفاعل ، وهو الله تعالى .

فصل

وهذه الآية نزلت في العباس بن عبد المطلب ؛ وكان قد أسر يوم بدر .

وكان أحد العشرة الذين ضمنوا إطعام أهل بدر ، وكان يوم بدر نوبته ، وكان خرج بعشرين أوقية من ذهب ليطعم بها النَّاسَ ، فأراد أن يطعم ذلك اليوم فاقتتلوا وبقيت العشرون أوقية معه ، فأخذت منه في الحرب ، فكلَّم النبي صلى الله عليه وسلم أن يحسب العشرين أوقية من فدائه فأبى وقال : " أما شيء خرجت تستعين به علينا ، فلا أتركه " وكلفه فداء ابني أخويه عقيل بن أبي طالبٍ ، ونوفل بن الحارث ، فقال العبَّاسُ : يا محمَّدُ تركتني أتكَفَّفُ قريشاً ما بقيت ؟ .

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وأيْنَ الذهبُ الذي دفعته إلى أم الفضل وقت خروجك من مكَّة ، فقلت لها : إني لا أدري ما يُصيبني في وجهي هذا فإن حدث لي حدث ، فهو لك ولعبد الله ولعبيد الله والفضل وقُثَم " يعني : بنيه .

" فقال العبَّاس : وما يُدْريك ؟ قال : " أخبرني به ربِّي "

قال العباسُ : أشهد أنَّك صادق وأن لا إله إلاَّ الله ، وأنَّك عبده ورسوله ، والله لم يطلعْ عليه أحدٌ إلاَّ الله ، ولقد رفعته إليها في سوادِ الليلِ ، وقد كنتُ مُرْتَاباً في أمرك ، فأمَّا إذْ أخبرتني بذلك ، فلا ريب .

فذلك قوله عز وجل : { يا أيها النبي قُل لِّمَن في أَيْدِيكُمْ مِّنَ الأسرى } الذين أخذتم منهم الفداء { إِن يَعْلَمِ الله فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً } أي : إيماناً : { يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ } من الفداء : " ويغْفِرْ لَكُمْ " ذنوبكم : { والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } قال العباس فأبدلني اللَّهُ عنها عشرين عبداً كلهم تاجر بمالي ، وإنَّ أدناهم يضرب بعشرين ألف درهم مكان العشرين أوقية ، وأعطاني زمزم ، وما أحب أنَّ لي بها جميع أموال أهل مكة وأنا أنتظر المغفرة من ربي .

فصل

اختلف المفسرون في أن الآية نزلت في العباس خاصة ، أو في جملة الأسارى .

قال قوم : إنَّها في العباس خاصة ، وقال آخرون : إنَّها نزلت في الكلِّ ، وهذا أولى لقوله تعالى : { قُل لِّمَن في أَيْدِيكُمْ مِّنَ الأسرى } ، ولقوله " مِنَ الأسْرَى " ، ولقوله " فِي قُلوبكم " ولقوله : يُؤتِكُمْ خَيْراً " ، ولقوله " مِمَّا أخذَ منكُمْ " ، وقوله : " ويَغْفِر لكُمْ " ، أقصى ما في الباب أن يقال : سبب نزول الآية هو العباسُ ، إلاَّ أنَّ العبرة بعموم اللَّفْظِ لا بخصوص السَّبَبِ .

فصل

احتج هشام بن الحكم على أنَّهُ تعالى لا يعلم الشَّيء إلاَّ عند حدوثه بهذه الآية ، لأن قوله : { إِن يَعْلَمِ الله فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً } فعل كذا ، وكذا شرط وجزاء ، والشَّرط هو حصول هذا العلم ، والشرط والجزاء لا يصح حصولهما إلا في المستقبل ، وذلك يوجب حدوث علم الله تعالى .

والجواب : أنَّ ظاهر اللفظ وإن كان يقتضي ما ذكره ، إلاَّ أنه لمَّا دلَّ الدليلُ على أن علم الله يمتنع أن يكون محدثاً ، وجب أن يقال : ذكر العلم وأراد به المعلوم من حيث إنَّه يدل حصول العلم على حصول المعلوم .


[17514]:تقدم ترخيج ذلك في الآية 67 من هذه السورة فلينظر.
[17515]:ينظر: المحرر الوجيز 2/554، البحر المحيط 4/516، الدر المصون 3/437.
[17516]:ينظر: الكشاف 2/238، المحرر الوجيز 2/554، البحر المحيط 4/516، الدر المصون 3/437.
[17517]:ينظر: المحرر الوجيز 2/554، البحر المحيط 4/516، الدر المصون 3/437.