الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّمَن فِيٓ أَيۡدِيكُم مِّنَ ٱلۡأَسۡرَىٰٓ إِن يَعۡلَمِ ٱللَّهُ فِي قُلُوبِكُمۡ خَيۡرٗا يُؤۡتِكُمۡ خَيۡرٗا مِّمَّآ أُخِذَ مِنكُمۡ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (70)

وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن عائشة رضي الله عنها قالت " لما بعث أهل مكة في فداء أسراهم . بعثت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قلادة لها في فداء زوجها ، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم رق رقة شديدة ، وقال : إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها ؟ وقال العباس رضي الله عنه : إني كنت مسلما يا رسول الله . قال : الله أعلم بإسلامك ، فإن تكن كما تقول فالله يجزيك فافد نفسك وابني أخويك نوفل بن الحارث ، وعقيل بن أبي طالب ، وحليفك عتبة بن عمر ، وقال : ما ذاك عندي يا رسول الله . قال : فأين الذي دفعت أنت وأم الفضل ؟ فقلت لها : إن أصبت فإن هذا المال لبني . فقال : والله يا رسول الله إن هذا لشيء ما علمه غيري وغيرها ، فاحسب لي ما أصبتم مني عشرين أوقية من مال كان معي فقال : أفعل . ففدي نفسه وابني أخويه وحليفه ، ونزلت { قل لمن في أيديكم من الأسارى أن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم } فأعطاني مكان العشرين أوقية في الإسلام عشرين عبدا كلهم في يده مال نصرت به مع ما أرجو من مغفرة الله " .

وأخرج ابن سعد والحاكم وصححه عن أبي موسى " أن العلاء بن الحضرمي رضي الله عنه بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مالا أكثر منه فنثر على حصير ، جاء الناس فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيهم وما كان يومئذ عدد ولا وزن ، فجاء العباس فقال : يا رسول الله ، إني أعطيت فدائي وفداء عقيل يوم بدر ، أعطني من هذا المال ، فقال : خذ ، فحثى في قميصه ثم ذهب ينصرف فلم يستطع ، فرفع رأسه وقال : يا رسول الله ، أرفع علي . فتبسم رسول الله وهو يقول : أما أخذ ما وعد الله فقد نجز ولا أدري الأخرى { قل لمن في أيديكم من الأسارى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم } هذا خير مما أخذ مني ولا أدري ما يصنع في المغفرة " .

وأخرج أبو نعيم في الدلائل من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : أسر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر سبعين من قريش منهم العباس وعقيل ، فجعل عليهم الفداء أربعين أوقية من ذهب ، وجعل على العباس مائة أوقية ، وعلى عقيل ثمانين أوقية ، فقال العباس رضي الله عنه : لقد تركتني فقير قريش ما بقيت ؟ فأنزل الله { يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسارى } حين ذكرت لرسول الله إسلامي وسألته أن يقاسمني بالعشرين أوقية التي أخذت مني ، فعوضني الله منها عشرين عبدا كلهم تاجر يضرب بمالي مع ما أرجو من رحمة الله ومغفرته .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل وابن عساكر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان العباس رضي الله عنه قد أسر يوم بدر ، فافتدى نفسه بأربعين أوقية من ذهب فقال حين نزلت { يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسارى } ، لقد أعطاني خصلتين ما أحب إن لي بهما الدنيا ، إني أسرت يوم بدر ففديت نفسي بأربعين أوقية فأعطاني الله أربعين عبدا ، وإني أرجو المغفرة التي وعدنا الله .

وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما { قل لمن في أيديكم من الأسارى } قال : عباس وأصحابه قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : آمنا بما جئت به ونشهد أنك رسول الله ، فنزل { إن يعلم الله في قلوبكم خيرا } أي إيمانا وتصديقا يخلف لكم خيرا مما أصبت منكم ، ويغفر لكم الشرك الذي كنتم عليه ، فكان عباس يقول : ما أحب أن هذه الآية لم تنزل فينا وأن لي ما في الدنيا من شيء ، فلقد أعطاني الله خيرا مما أخذ مني مائة ضعف ، وأرجو أن يكون غفر لي .

وأخرج ابن سعد وابن عساكر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسارى . . . } الآية . قال : نزلت في الأسارى يوم بدر ، منهم العباس بن عبد المطلب ، ونوفل بن الحرث ، وعقيل بن أبي طالب رضي الله عنهم .