قوله تعالى : { وقالوا } أي : ويقولون إذا دخلوا الجنة : { الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن } والحزن واحد كالبخل والبخل ، قال ابن عباس : حزن النار . وقال قتادة : حزن الموت . وقال مقاتل : حزنوا لأنهم كانوا لا يدرون ما يصنع الله بهم . وقال عكرمة : حزن الذنوب والسيئات وخوف رد الطاعات . وقال القاسم : حزن زوال النعم وتقليب القلب ، وخوف العاقبة ، وقيل : حزن أهوال يوم القيامة . وقال الكلبي : ما كان يحزنهم في الدنيا من أمر يوم القيامة . وقال سعيد بن جبير : هم الخبز في الدنيا . وقيل : هم المعيشة . وقال الزجاج : أذهب الله عن أهل الجنة كل الأحزان ما كان منها لمعاش أو معاد .
أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن الضحاك الخطيب ، حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الإسفرايني ، أنبأنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي ، أنبأنا أبو العباس أحمد بن محمد الترابي ، حدثنا يحيى بن عبد الحميد ، حدثنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليس على أهل لا إله إلا الله وحشة في قبورهم ولا في منشرهم ، وكأني بأهل لا إله إلا الله ينفضون التراب عن رؤوسهم ، ويقولون : ( الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن ) . { إن ربنا لغفور شكور* }
ثم حكى - سبحانه - ما يقولونه بعد فوزهم بهذا النعيم فقال : { وَقَالُواْ الحمد للَّهِ الذي أَذْهَبَ عَنَّا الحزن } .
والحزن : غم يعترى الإِنسان لخوفه من وال نعمة هو فيها . والمراد به هنا : جنس الحزن الشامل لجميع أحزان الدين والدنيا والآخرة .
أى : وقالوا عند دخولهم الجنات الدائمة ، وشعورهم بالأمان والسعاة والاطمئنان : الحمد لله الذى أذهب عنا جميع ما يحزننا من أمور الدنيا أو الآخرة .
{ إِنَّ رَبَّنَا } بفضله وكرمه { لَغَفُورٌ شَكُورٌ } أى : لواسع المغفرة لعباده ولكثير العطاء للمطيعين ، حيث أعطاهم الخيرات الوفيرة فى مقابل الأعمال القليلة .
وقوله : وَقالُوا الحَمْدُ لِلّهِ الّذِي أذْهَبَ عَنّا الحَزَنَ اختلف أهل التأويل في الحَزَن الذي حمد الله على إذهابه عنهم هؤلاء القوم ، فقال بعضهم : ذلك الحزَن الذي كانوا فيه قبل دخولهم الجنة من خوف النار ، إذ كانوا خائفين أن يدخلوها . ذكر من قال ذلك :
حدثني قتادة بن سعيد بن قتادة السدوسيّ ، قال : حدثنا معاذ بن هشام صاحب الدستوائي ، قال : حدثنا أبي ، عن عمرو بن مالك ، عن أبي الجوزاء ، عن ابن عباس ، في قوله : الحَمْدُ لِلّهِ الّذِي أذْهَبَ عَنّا الحَزَنَ قال : حزن النار .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا ابن المبارك ، عن معمر ، عن يحيى بن المختار ، عن الحسن وَإذَا خاطَبَهُمُ الجاهِلُونَ قالُوا سَلاما قال : إن المؤمنين قوم ذُلُل ، ذلّت والله الأسماع والأبصار والجوارح ، حتى يحسبهم الجاهل مَرْضَى ، وما بالقوم مرض ، وإنهم لأصحة القلوب ، ولكن دخلهم من الخوف ما لم يدخل غيرهم ، ومنعهم من الدنيا علمهم بالاَخرة ، فقالوا : الحَمْدُ لِلّهِ الّذِي أذْهَبَ عَنّا الحَزَنَ ، والحَزَن ، والله ما حزنهم حزن الدنيا ، ولا تعاظم في أنفسهم ما طلبوا به الجنة أبكاهم الخوف من النار ، وإنه من لا يتعزّ بعزاء الله يقطّع نفسه على الدنيا حسرات ، ومن لم ير لله عليه نعمة إلاّ في مطعم أو مشرب ، فقد قلّ علمه ، وحضر عذابه .
وقال آخرون : عُني به الموت . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، عن أبيه ، عن عطية ، في قوله : الحَمْدُ لِلّهِ الّذِي أذْهَبَ عَنّا الحَزَنَ قال : الموت .
وقال آخرون : عُني به حزن الخبز . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يعقوب ، عن حفص ، يعني ابن حميد ، عن شمر ، قال : لما أدخل الله أهل الجنة الجنة ، قالوا الحَمْدُ لِلّهِ الّذِي أذْهَبَ عَنّا الحَزَنَ قال : حزن الخبز .
وقال آخرون : عُني بذلك : الحَزَن من التعب الذي كانوا فيه في الدنيا . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَقالُوا الحَمْدُ لِلّهِ الّذِي أذْهَبَ عَنّا الحَزَنَ قال : كانوا في الدنيا يعملون وينصَبون وهم في خوف ، أو يحزنون .
وقال آخرون : بل عُني بذلك الحزن الذي ينال الظالم لنفسه في موقف القيامة . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، قال : ذكر أبو ثابت أن أبا الدرداء ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «أمّا الظّالِمُ لِنَفْسِهِ ، فَيُصِيبُهُ فِي ذَلكَ المَكانِ مِنَ الغَمّ والحَزَنِ ، فَذلكَ قَوْلُهُ : الحَمْدُ لِلّهِ الّذِي أذْهَبَ عَنّا الحَزَنَ » .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : إن الله تعالى ذكره أخبر عن هؤلاء القوم الذين أكرمهم بما أكرمهم به أنهم قالوا حين دخلوا الجنة الحَمْدُ لِلّهِ الّذِي أذْهَبَ عَنّا الحَزَنَ وخوف دخول النار من الحزن ، والجَزَع من الموت من الحزن ، والجزع من الحاجة إلى المطعم من الحزن ، ولم يخصص الله إذ أخبر عنهم أنهم حمدوه على إذهابه الحزن عنهم نوعا دون نوع ، بل أخبر عنهم أنهم عموا جميع أنوع الحزن بقولهم ذلك ، وكذلك ذلك ، لأن من دخل الجنة فلا حزن عليه بعد ذلك ، فحمدهم على إذهابه عنهم حميع معاني الحزن .
وقوله : إنّ رَبّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل هذه الأصناف الذين أخبر أنه اصطفاهم من عباده عند دخولهم الجنة : إن ربنا لغفور لذنوب عباده الذين تابوا من ذنوبهم ، فساترها عليهم بعفوه لهم عنهم ، شكور لهم على طاعتهم إياه ، وصالح ما قدّموا في الدنيا من الأعمال . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة في قوله : إنّ رَبّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ لحسناتهم .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يعقوب ، عن حفص ، عن شمر إنّ رَبّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ غفر لهم ما كان من ذنب ، وشكر لهم ما كان منهم .
و { الحزن } في هذه الآية عام في جميع أنواع الأحزان ، وخصص المفسرون في هذا الموضع فقال أبو الدرداء : حزن أهوال القيامة وما يصيب هناك من ظلم نفسه من الغم والحزن ، وقال ابن عباس : حزن جهنم ، وقال عطية : حزن الموت ، وقال شهر : حزن معيشة الدنيا الخبز ونحوه ، وقال قتادة : حزن الدنيا في الخوف أن تتقبل أعمالهم ، وقيل غير هذا مما هو جزء من الحزن .
قال القاضي أبو محمد : ولا معنى لتخصيص شيء من هذه الأحزان ، لأن الحزن أجمع قد ذهب عنهم ، وقولهم { لغفور شكور } وصفوه تعالى بأنه يغفر الذنوب ويجازي على القليل من الأعمال الصالحة بالكثير من الثواب ، وهذا هو شكره لا رب سواه .
الأظهر أن جملة { وقالوا } في موضع الحال من ضمير { يحلون } [ فاطر : 33 ] لئلا يلزم تأويل الماضي بتحقيق الوقوع مع أنه لم يقصد في قوله : { يدخلونها } [ فاطر : 33 ] . وتلك المقالة مقارنة للتحلية واللباس ، وهو كلام يجري بينهم ساعتئذ لإِنشاء الثناء على الله على ما خوّلهم من دخول الجنة ، ولما فيه من الكرامة .
وإذهاب الحزن مجاز في الإِنجاء منه فتصدق بإزالته بعد حصوله ويصدق بعدم حصوله .
و { الحزن } الأسف . والمراد : أنهم لمّا أعطوا ما أعطوه زال عنهم ما كانوا فيه قبلُ من هول الموقف ومن خشية العقاب بالنسبة للسابقين والمقتصدين ومما كانوا فيه من عقاب بالنسبة لظالمي أنفسهم .
وجملة { إن ربنا لغفور شكور } استئنافُ ثناء على الله شكروا به نعمة السلامة أثنوا عليه بالمغفرة لما تجاوز عما اقترفوه من اللمم وحديثثِ الأنفس ونحو ذلك مما تجاوز الله عنه بالنسبة للمقتصدين والسابقين ، ولما تجاوز عنه من تطويل العذاب وقبول الشفاعة بالنسبة لمختلف أحوال الظالمين أنفسهم وأثنوا على الله بأنه شكور لما رأوا من إفاضته الخيرات عليهم ومُضاعفة الحسنات مما هو أكثر من صالحات أعمالهم . وهذا على نحو ما تقدم في قوله : { ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور } [ فاطر : 30 ] .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن} لأنهم لا يدرون ما يصنع الله عز وجل بهم.
{إن ربنا لغفور} للذنوب العظام.
{شكور} للحسنات، وإن قلت: وهذا قول آخر شكور للعمل الضعيف القليل، فهذا قول أهل الكبائر من أهل التوحيد.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
قوله:"وَقالُوا الحَمْدُ لِلّهِ الّذِي أذْهَبَ عَنّا الحَزَنَ" اختلف أهل التأويل في الحَزَن الذي حمد الله على إذهابه عنهم هؤلاء القوم؛
فقال بعضهم: ذلك الحزَن الذي كانوا فيه قبل دخولهم الجنة من خوف النار، إذ كانوا خائفين أن يدخلوها...
وقال آخرون: عُني به حزن الخبز...
وقال آخرون: عُني بذلك: الحَزَن من التعب الذي كانوا فيه في الدنيا...
وقال آخرون: بل عُني بذلك الحزن الذي ينال الظالم لنفسه في موقف القيامة...
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر عن هؤلاء القوم الذين أكرمهم بما أكرمهم به أنهم قالوا حين دخلوا الجنة الحَمْدُ لِلّهِ الّذِي أذْهَبَ عَنّا الحَزَنَ وخوف دخول النار من الحزن، والجَزَع من الموت من الحزن، والجزع من الحاجة إلى المطعم من الحزن، ولم يخصص الله إذ أخبر عنهم أنهم حمدوه على إذهابه الحزن عنهم نوعا دون نوع، بل أخبر عنهم أنهم عموا جميع أنوع الحزن بقولهم ذلك، وكذلك ذلك، لأن من دخل الجنة فلا حزن عليه بعد ذلك، فحمدهم على إذهابه عنهم جميع معاني الحزن.
وقوله: "إنّ رَبّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ "يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل هذه الأصناف الذين أخبر أنه اصطفاهم من عباده عند دخولهم الجنة: إن ربنا لغفور لذنوب عباده الذين تابوا من ذنوبهم، فساترها عليهم بعفوه لهم عنهم، شكور لهم على طاعتهم إياه، وصالح ما قدّموا في الدنيا من الأعمال.
تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :
والأولى أن يحمل على جميع الأحزان، فهم ينجون عن كلها، ومن المعروف أن الحزن: هو حزن أهوال القيامة...
في الحزن... الألف واللام للجنس واستغراقه، وإذهاب الحزن بحصول كل ما ينبغي وبقائه دائما، فإن شيئا منه لو لم يحصل لكان الحزن موجودا بسببه، وإن حصل ولم يدم لكان الحزن غير ذاهب بعد بسبب زواله وخوف فواته...
{إن ربنا لغفور شكور} ذكر الله عنهم أمورا كلها تفيد الكرامة من الله:
الثاني: قولهم (ربنا) فإن الله لم يناد بهذا اللفظ إلا واستجاب لهم، اللهم إلا أن يكون المنادي قد ضيع الوقت الواجب أو طلب ما لا يجوز كالرد إلى الدنيا من الآخرة.
البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :
{إن ربنا لغفور شكور}، لغفور: فيه إشارة إلى دخول الظالم لنفسه الجنة، وشكور: فيه إلى السابق وأنه كثير الحسنات.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما كان المقتصد والسابق يحزنون لكمالهم وشدة شفقتهم على الظالم إذا قوصص، جمع فقال معبراً بالماضي تحقيقاً له: {وقالوا} أي عند دخولهم: {الحمد} أي الإحاطة بأوصاف الكمال {لله} أي الذي له تمام القدرة.
{لغفور} أي محاء للذنوب عيناً وأثراً للصنفين الأولين {شكور} أي على ما وهبه للعبد من حسن طاعته ووفقه له من الأعمال الحسنة فجعله به سابقاً...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
والدنيا بما فيها من قلق على المصير، ومعاناة للأمور تعد حزناً بالقياس إلى هذا النعيم المقيم، والقلق يوم الحشر على المصير مصدر حزن كبير...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
إذهاب الحزن مجاز في الإِنجاء منه فتصدق بإزالته بعد حصوله ويصدق بعدم حصوله.
{الحزن} الأسف، والمراد: أنهم لمّا أعطوا ما أعطوه، زال عنهم ما كانوا فيه قبلُ من هول الموقف ومن خشية العقاب بالنسبة للسابقين والمقتصدين ومما كانوا فيه من عقاب بالنسبة لظالمي أنفسهم.
{إن ربنا لغفور شكور} استئنافُ ثناء على الله شكروا به نعمة السلامة أثنوا عليه بالمغفرة لما تجاوز عما اقترفوه من اللمم وحديثِ الأنفس ونحو ذلك مما تجاوز الله عنه بالنسبة للمقتصدين والسابقين، ولما تجاوز عنه من تطويل العذاب وقبول الشفاعة بالنسبة لمختلف أحوال الظالمين أنفسهم، وأثنوا على الله بأنه شكور لما رأوا من إفاضته الخيرات عليهم ومُضاعفة الحسنات مما هو أكثر من صالحات أعمالهم...
هذا قَوْل المؤمنين ساعة يتمتعون بنعيم الجنة، فهم لا ينسوْنَ المنعِمَ سبحانه، فيحمدونه أولاً على أنْ شَرَع لهم المنهج الذي أوصلهم إلى هذا النعيم، ويحمدونه على أنْ نجَّاهم وأنقذهم من الكفر وهداهم إلى الإيمان. إذن: هذا حمد مركب.
وكلمة {الْحَمْدُ للَّهِ} هي آخر ما يقوله المنعَّمون في الآخرة، كما قال تعالى: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [يونس: 10].
ومن لُطف الله بعباده وعَطْفه عليهم يُعلِّمهم كيف يحمدونه سبحانه، ويُعلِّمهم هذه الكلمة الموجزة المكوّنة من مبتدأ وخبر: الحمد لله، ذلك لأن الناس مختلفون في القدرة على الأداء البياني والتعبير البليغ، فواحد بليغ قادر على صياغة الأسلوب الجميل وتنميق العبارات، وآخر لا يجيد شيئاً من هذا؛ لذلك علَّمنا الله تعالى كيف نحمده بلفظ سهل ميسور يتساوى فيه الجميع.
لذلك جاء في مناجاة رسول الله لربه:".. لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيتَ على نفسك". وقلنا: إن كلمة (الحمد لله) تستوجب سلسلةً لا تنتهي من الحمد، فحين تقول على النعمة: الحمد لله. فهذه الكلمة في ذاتها نعمة تستوجب الحمد، وتستحق الحمد، وهكذا يظل الحق سبحانه محموداً، ويظل العبد حامداً إلى ما لا نهاية.
وقوله سبحانه {الَّذِيۤ أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ} هذه نعمة ثالثة تستحق الحمد، فالحمد أولاً على النعم، وثانياً على أنك حمدتَ الله على نعمه، وثالثاً تحمد الله الذي أذهب عنك الحزن، والحَزَن كل ما يُحزِنك أو يغمُّك، أو هو استدامة الحزن في الإنسان.
فالإنسان يسعد بالنعيم في الدنيا ويُسَرُّ به، لكن يُنغِّصه عليه مخافة زواله، فيعيش مهموماً حزيناً، يخاف أنْ تفوته النعمةُ أو يفوتها هو بالموت، أما في الآخرة فلا يفكر المرء في شيء من هذا أبداً، فقد ذهب هذا الفكر مع ذهاب الدنيا، والجزاء في الآخرة باقٍ دائم، لا يفوتك ولا تفوته.
وقولهم: {إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ} كأنهم يتهمون أنفسهم بالتقصير، وأنهم ما أدَّوا حق الله كما ينبغي، وأن ما هم فيه من النعيم ما هو إلا لأن ربهم غفور يتجاوز عن تقصيرهم، وشكور يشكر لهم العمل الصالح بعد أنْ وفَّقهم له وأعانهم عليه.