الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{وَقَالُواْ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِيٓ أَذۡهَبَ عَنَّا ٱلۡحَزَنَۖ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٞ شَكُورٌ} (34)

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله أهل الجنة حين دخلوا الجنة { وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن } قال : هم قوم كانوا في الدنيا يخافون الله ، ويجتهدون له في العبادة سراً وعلانية ، وفي قلوبهم حزن من ذنوب قد سلفت منهم ، فهم خائفون أن لا يتقبل منهم هذا الاجتهاد من الذنوب التي سلفت . فعندها { قالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور } غفر لنا العظيم ، وشكر لنا القليل من أعمالنا .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن } قال : حزن النار .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه في قوله { الذي أذهب عنا الحزن } قال : ما كانوا يعملون .

وأخرج الحاكم وأبو نعيم وابن مردويه عن صهيب رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « المهاجرون هم السابقون الْمُدِلُّون على ربهم ، والذي نفس محمد بيده إنهم ليأتون يوم القيامة على عواتقهم السلاح ، فيقرعون باب الجنة ، فتقول لهم الخزنة ، من أنتم ؟ فيقولون : نحن المهاجرون فتقول لهم الخزنة : هل حوسبتم ؟ فيجثون على ركبهم ويرفعون أيديهم إلى السماء فيقولون : أي رب أبهذه نحاسب ؟ ! قد خرجنا وتركنا الأهل والمال والولد ، فيمثل الله لهم أجنحة من ذهب ، مخوّصة بالزبرجد والياقوت ، فيطيرون حتى يدخلوا الجنة فذلك قوله { وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن } إلى قوله { ولا يمسنا فيها لغوب } قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلهم بمنازلهم في الجنة أعرف منهم بمنازلهم في الدنيا » .

وأخرج ابن المنذر عن شمر بن عطية رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « حيث دخلوا الجنة { وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن } قال : حزنهم هو الحزن » .

وأخرج ابن أبي حاتم عن شمر بن عطية رضي الله عنه في قوله { الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن } قال : الجوع .

وأخرج ابن أبي حاتم عن الشعبي رضي الله عنه في قوله { الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن } قال : طلب الخبز في الدنيا ، فلا نهتم له كاهتمامنا له في الدنيا طلب الغداء والعشاء .

وأخرج ابن أبي حاتم عن إبراهيم التيمي رضي الله عنه قال : ينبغي لمن يحزن أن يخاف أن لا يكون من أهل الجنة ، لأنهم قالوا { الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن } وينبغي لمن يشفق أن يخاف أن لا يكون من أهل الجنة ، لأنهم { قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين } [ الطور : 26 ] .

وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإِيمان عن شمر بن عطية رضي الله عنه في قوله { الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن } قال : حزن الطعام { إن ربنا لغفور شكور } قال : غفر لهم الذنوب التي عملوها ، وشكر لهم الخير الذي دلهم عليه ، فعملوا به ، فأثابهم عليه .

وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي رافع رضي الله عنه قال : يأتي يوم القيامة العبد بدواوين ثلاثة : بديوان فيه النعم . وديوان فيه ذنوبه . وديوان فيه حسناته . فيقال لأصغر نعمة عليه : قومي فاستوفي ثمنك من حسناته ، فتقوم فتستوهب تلك النعمة حسناته كلها ، وتبقي بقية النعم عليه وذنوبه كاملة . فمن ثم يقول العبد إذا أدخله الله الجنة { إن ربنا لغفور شكور } .

34