الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{وَقَالُواْ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِيٓ أَذۡهَبَ عَنَّا ٱلۡحَزَنَۖ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٞ شَكُورٌ} (34)

قوله تعالى : " وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن " قال أبو ثابت : دخل رجل المسجد . فقال اللهم ارحم غربتي وآنس وحدتي ويسر لي جليسا صالحا . فقال أبو الدرداء : لئن كنت صادقا فلأنا أسعد بذلك منك ، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات " قال فيجيء هذا السابق فيدخل الجنة بغير حساب ، وأما المقتصد فيحاسب حسابا يسيرا ، وأما الظالم لنفسه فيحبس في المقام ويوبخ ويقرع ثم يدخل الجنة فهم الذين قالوا : " الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور " وفي لفظ آخر وأما الذين ظلموا أنفسهم فأولئك يحبسون في طول المحشر ثم هم الذين يتلقاهم{[13160]} الله برحمته فهم الذين يقولون " الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور إلى قوله " ولا يمسنا فيها لغوب " . وقيل : هو الذي يؤخذ منه في مقامه ، يعني يكفر عنه بما يصيبه من الهم والحزن ، ومنه قوله تعالى " من يعمل سوءا يجز به " {[13161]} [ النساء : 123 ] يعني في الدنيا . قال الثعلبي : وهذا التأويل أشبه بالظاهر ؛ لأنه قال : " جنات عدن يدخلونها " ، ولقوله : " الذين اصطفينا من عبادنا " والكافر والمنافق لم يصطفوا .

قلت : وهذا هو الصحيح ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة ، ريحها وطيب وطعمها مر . فأخبر أن المنافق يقرؤه ، وأخبر الحق سبحانه وتعالى أن المنافق في الدرك الأسفل من النار ، وكثير من الكفار واليهود والنصارى يقرؤونه في زماننا هذا . وقال مالك : قد يقر القرآن من لا خير فيه . والنصب : التعب . واللغوب : الإعياء


[13160]:كذا في ش و ح. وفي ب. و ك:" يتلافاهم".
[13161]:راجع ج 5 ص 396.