الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَقَالُواْ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِيٓ أَذۡهَبَ عَنَّا ٱلۡحَزَنَۖ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٞ شَكُورٌ} (34)

ثم قال تعالى : { وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن } .

قال ابن عباس : الحزن : حزن دخول النار {[56230]} ، وهو قول الحسن {[56231]} وقال عطية {[56232]} الحزن : الموت {[56233]} .

وقال شمر {[56234]} : الحزن : حزن الخبر {[56235]} .

وقال قتادة : كانوا في الدنيا يعملون وينصبون وهم في حزن فحمدوا الله على ذهاب ما كانوا فيه {[56236]} .

وروى أبو الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أما الظالم لنفسه فيصيبه في ذلك المكان من الغم والحزن فذلك قولهم : الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن " {[56237]} يعنون ما كانوا فيه في الموقف من الخوف .

وقال الزجاج : معناه الذي أذهب عنا الغم بالمعيشة ، والخوف من العذاب وتوقع الموت {[56238]} . وقيل : هو عام في جميع الحزن {[56239]} .

وقيل : الحزن هو أعمال عملوها من الخير فكانوا تحت خوف منها أن تقبل منهم أو لا تقبل ، فلما قبلت حمدوا الله على ذلك .

وروى زيد بن أسلم {[56240]} عن ابن عمر أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليس على أهل لا إله إلا الله وحشة {[56241]} في قبورهم ولا يوم نشورهم ، وكأني بأهل لا إله إلا الله ينفضون التراب / عن رؤوسهم يقولون : الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن " {[56242]} .

ثم قال : { إن ربنا لغفور شكور } قيل : إنه من قول الثلاثة الأصناف .

قال قتادة : غفور لذنوبنا شكور لحسناتنا {[56243]} .

قال شمر : غفر لهم ما كان من ذنب وشكر لهم ما كان من عمل {[56244]} . وقيل : هو من قول الظالم لنفسه ، أي : غفر الذنب الكثير وشكر العمل القليل .

رواه أبو الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم ذكره في قوله : { أورثنا الكتاب } .

وذكر ابن وهب عن أبي رافع {[56245]} أنه قال : بلغنا أنه يجاء لابن آدم يوم القيامة بثلاثة دواوين ، ديوان فيه الحسنات ، وديوان فيه النعم ، وديوان فيه السيئات ، فيقال لأصغر تلك النعم : قومي فاستوفي ثمنك من الحسنات فتستوعب عمله ذلك كله فتبقى ذنوبه والنعم كما هي ، فمن ثم يقول العبد : { إن ربنا لغفور شكور } {[56246]} .

وعن ابن عباس أنه قال : السابق بالخيرات يدخل الجنة بغير حساب ، والمقتصد يحاسب حسابا يسيرا ، والظالم لنفسه يحاسب حسابا شديدا ويحبس حبسا طويلا . فإذا أدخل هؤلاء الظلمة لأنفسهم الجنة قالوا : الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن الذي كنا [ فيه ] {[56247]} حين حبسنا إن ربنا لغفور شكور ، غفر الذنوب العظيمة وشكر العمل القليل .


[56230]:انظر: جامع البيان 22/138 والمحرر الوجيز 13/177
[56231]:انظر: جامع البيان 22/138
[56232]:هو عطية بن سعيد وقد تقدمت ترجمته.
[56233]:انظر: جامع البيان 22/138 والمحرر الوجيز 13/177
[56234]:هو شمر بن عطية بن عبد الرحمن الأسدي الكاهلي الكوفي، قال فيه ابن حجر "صدوق ثقة له أحاديث "انظر: طبقات ابن سعد 6/310 وتقريب التهذيب 1/354
[56235]:انظر: جامع البيان 22/138 والمحرر الوجيز 13/177
[56236]:انظر: جامع البيان 22/138
[56237]:أخرجه أحمد في مسنده 5/194 وأورده الطبري في جامع البيان 22/139 مع اختلاف يسير في اللفظ.
[56238]:انظر: معاني الزجاج 4/270
[56239]:هو قول الطبر في جامع البيان 22/138
[56240]:هو أبو أسامة زيد بن أسلم العدوي المدني فقيه مفسر كثير الحديث، توفي سنة 136هـ انظر: حلية الأولياء 3/221، 272 وتذكرة الحفاظ 1/132، 118، وتقريب التهذيب 1/272، 157
[56241]:الوحشة: هي الخلوة والهم، واستوحش المكان إذا صار وحشا، كذلك توحش انظر: اللسان مادة "وحش" 6/368
[56242]:أورده ابن عدي في الكامل في الضعفاء 4/1582 وابن كثير في تفسيره 3/558 والبغوي في تفسيره 5/304
[56243]:انظر: جامع البيان 22/139 والدر المنثور 30/7
[56244]:انظر: المصدرين السابقين 22/139 و7/29
[56245]:هو أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلم قبل بدر ولم يشهدها، وشهد احدا وما بعدها، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن ابن مسعود وروى عنه أولاد الحسن ورافع وعبد الله والمعتمر، وروى عنه أيضا سليمان بن يسار وعطاء بن يسار وغيرهم. مات بالمدينة بعد قتل عثمان ، وقيل مات في خلافة علي انظر: تهذيب التهذيب 12/92، 407
[56246]:انظر: الدر المنثور 7/29
[56247]:تكملة لازمة.