ثم قال - تعالى - : { رَّبُّ السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا } أى : هو رب السموات والأرض ورب ما بينهما ، وهو خالقهما وخالق كل شىء ، ومالكهما ومالك كل شىء .
وما دام الأمر كذلك : { فاعبده واصطبر لِعِبَادَتِهِ } أى : فأخلص له العبادة ووطن نفسك على أداء هذه العبادة بصبر وجلد وقوة احتمال ، فإن المداومة على طاعة الله تحتاج إلى عزيمة صادقة ، ومجاهدة للنفس الأمارة بالسوء .
والاستفهام فى قوله : { هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً } للإنكار والنفى . والسمى بمعنى المسامى والمضاهى والنظير والشبيه .
أى : هل تعلم له نظيرا أو شبيهاً يستحق معه المشاركة فى العبادة أو الطاعة ؟ كلا ، إنك لا تعلم ذلك ، لأنه - سبحانه - هو وحده المستحق للعبادة والطاعة ، إذ هو الخالق لكل شىء والعليم بكل شىء ، والقادر على كل شىء ، وما سواء إنما هو مخلوق له ، وساجد له طوعاً أو كرهاً ، ولا شبهة فى صفة من صفاته ، فهو - سبحانه - { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السميع البصير }
القول في تأويل قوله تعالى : { رّبّ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً } .
يقول تعالى ذكره : لم يكن ربك يا محمد ربّ السموات والأرض وما بينهما نسيا ، لأنه لو كان نسيا لم يستقم ذلك ، ولهلك لولا حفظه إياه ، فالربّ مرفوع ردّا على قوله رَبّكَ .
وقوله : فاعْبُدْه يقول : فالزم طاعته ، وذلّ لأمره ونهيه وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ يقول : واصبر نفسك على النفوذ لأمره ونهيه ، والعمل بطاعته ، تفز برضاه عنك ، فإنه الإله الذي لا مثل له ولا عدل ولا شبيه في جوده وكرمه وفضله هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّا يقول : هل تعلم يا محمد لربك هذا الذي أمرناك بعبادته ، والصبر على طاعته مثلاً في كرمه وجوده ، فتعبده رجاء فضله وطوله دونه ؟ كلا ، ما ذلك بموجود . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّا يقول : هل تعلم للربّ مثلاً أو شبيها .
حدثني سعيد بن عثمان التنوخي ، قال : حدثنا إبراهيم بن مهدي ، عن عباد بن عوّام ، عن شعبة ، عن الحسن بن عمارة ، عن رجل ، عن ابن عباس ، في قوله هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّا قال : شبيها .
حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي ، قال : حدثنا أبي ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن الأعمش ، عن مجاهد في هذه الاَية هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّا قال : هل تعلم له شبيها ، هل تعلم له مثلاً تبارك وتعالى .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّا لا سميّ لله ولا عِدل له ، كلّ خلقه يقرّ له ، ويعترف أنه خالقه ، ويعرف ذلك ، ثم يقرأ هذه الاَية : وَلَئِنْ سألْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنّ اللّهُ .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، في قوله : هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّا قال : يقول : لا شريك له ولا مثل .
{ رب السماوات والأرض وما بينهما } بيان لامتناع النسيان عليه ، وهو خبر محذوف أو بدل من { ربك } { فاعبده واصطبر لعبادته } خطاب للرسول صلى الله عليه ، وسلم مرتب عليه أي لما عرفت ربك لأنه لا ينبغي له أن ينساك ، أو أعمال العمال فأقبل على عبادته واصطبر عليها ولا تتشوش بإبطاء الوحي وهزء الكفر ، وإنما عدي باللام لتضمنه معنى الثبات للعبادة فيما يورد عليه من الشدائد والمشاق كقولك للمحارب اصطبر لقرنك . { هل تعلم له سميا } مثلا يستحق أن يسمى إلها أو أحدا سمي الله فإن المشركين وإن سموا الصنم إلها لم يسموه الله قط ، وذلك لظهور أحديته تعالى ، وتعالى ذاته عن المماثلة بحيث لم يقبل اللبس والمكابرة وهو تقرير للأمر أي إذا صح أن لا أحد مثله ولا يستحق العبادة غيره لم يكن بد من التسليم لأمره والاشتغال بعبادته والاصطبار على مشاقها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.