اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَيۡنَهُمَا فَٱعۡبُدۡهُ وَٱصۡطَبِرۡ لِعِبَٰدَتِهِۦۚ هَلۡ تَعۡلَمُ لَهُۥ سَمِيّٗا} (65)

قوله : { رَّبُّ السماوات }{[21868]} فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : أنه بدل من " ربُّكَ " {[21869]} .

الثاني : أنه خبر مبتدأ مضمر ، أي : هُو ربُّ{[21870]} .

الثالث : كونه مبتدأ والخبر الجملة الأمرية بعده . وهذا ماشٍ رأي الأخفش ، إذ{[21871]} يجوِّز زيادة الفاء في خبر المبتدأ مطلقاً{[21872]} .

قوله : { لِعبادَتِهِ } متعلق ب " اصْطَبَرْ " فإن قيل : لِمَ لَمْ يقُلْ : واصطبر على عبادته ، لأنها صلته ، فكان{[21873]} حقه تعديه ب " على " ؟ .

فالجواب : أنَّه ضمن{[21874]} معنى الثبات ، لأنَّ العبادة ذات تكاليف قل من يصبر{[21875]} لها ، فكأنَّه قيل : واثبت لها مصطبرا{[21876]} . واستدلوا بهذه الآية على أنَّ فعل العبد خلق لله -تعالى- ، لأنَّ فعل العبدِ حاصل بين السماوات والأرض ، وهو رب لكل شيء حاصل بينهما{[21877]} .

قوله : { هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً } أدغم الأخوان{[21878]} ، وهشام{[21879]} ، وجماعة لام " هَلْ " في " التاء " {[21880]} .

وأنشدوا{[21881]} على ذلك بيت مُزَاحِم العُقيليّ{[21882]} :

فَذَرْ ذَا{[21883]} ولكِن هَتُّعِينُ مُتَيَّماً *** عَلى ضَوْءِ برْقِ آخِرِ اللَّيْلِ نَاصِبِ{[21884]}

فصل

دلَّ ظاهر الآية على أنَّه- تعالى- رتب الأمر{[21885]} بالعبادة والأمر بالمصابرة عليها أنه لا سميّ له{[21886]} ، والأقرب أنه ذكر الاسم وأراد هل تعلم له نظيراً فيما يقتضي العبادة والتي{[21887]} يقتضيها كونه منعماً بأصول ( النعم وفروعها ، وهي خلق الأجسام ، والحياة والعقل ، وغيرها ، فإنه لا يقدر على ذلك{[21888]} ) أحد سواه -سبحانه وتعالى- وإذا كان قد أنعم عليك بغاية الإنعام ، وجب أن تعظمه بغاية التعظيم ، وهي العبادة{[21889]} .

قال ابن عباس : هل تعلم له مثلاً{[21890]} .

وقال الكلبي : ليس{[21891]} له شريك في اسمه{[21892]} . وذلك لأنهم{[21893]} وإن كانوا يطلقون لفظ الإله على الوثن فما أطلقوا لفظ الله -تعالى{[21894]}- على شيء . قال ابن عباس : لا يسمة بالرحمن غيره . وأيضاً : هل تعلم من سمي باسمه على الحق دون الباطل ، لأنَّ التسمية على الباطل كلا تسمية ، لأنها غير معتد بها ، والقول الأول أقرب{[21895]} .


[21868]:في ب: {رب السماوات والأرض} .
[21869]:في قوله تعالى: {وما كان ربك نسيا} من الآية السابقة. الكشاف 2/417. الكشاف 2/417، البيان 2/129، البحر المحيط 6/204.
[21870]:الكشاف 2/417، البيان 2/129، التبيان 2/877، البحر المحيط 6/204.
[21871]:إذ: سقط من ب.
[21872]:خالف الأخفش كثيرا من النحويين حيث جوّز زيادة الفاء في خبر المبتدأ مطلقا، نحو: زيد فوجد وقول الشاعر: وقائلة: خولان فانكح فتاتهم *** وأكرومة الحيّتين خلو كما هيا والفراء، والأعلم، وجماعة قيدوا الجواز بكون الخبر أمرا، أو نهيا، فالأمر بالبيت السابق والنهي نحو: محمد فلا تضربه. والأكثرون يجيزون دخول الفاء في خبر المبتدأ إذا كان المبتدأ متضمنا معنى الشرط، بأن كان اسما موصولا بشرط أن يكون عاما، وأن تكون صلته فعلا أو ظرفا نحو: الذي يأتيني أو في الدار فله درهم واشترط هذا، لأنه إذا كان كذلك كان فيه معنى الشرط، فتدخل فيه الفاء كما تدخل في الشرط المحض، نحو: من يأتني فله درهم أو كان المبتدأ نكرة عامة موصوفة بالفعل، أو الظرف أو الجار والمجرور، نحو: كل رجل يأتيني أو أمامك، أو في الدار فله درهم، لأن النكرة في إبهامها كالموصول إذا لم يرد به مخصوص، والصفة كالصلة، فإذا كانت بالفعل أو ما هو في تقديره من جار ومجرور كانت كالموصول في شبه الشرط والجزاء، فتدخل الفاء في خبرها كما تدخل في خبر الموصول. وقد أول سيبويه وغيره ما أنشده الأخفش على تقدير مبتدأ، والفاء عاطفة من عطف جملة فعلية على جملة اسمية. الكتاب 1/138-141، البيان 2/129-130، التبيان 2/877، ابن يعيش 1/99-101، شرح الكافية 1/101-102، المغني 1/165-166.
[21873]:في ب: وكان.
[21874]:التضمين: هو أن يؤدي اللفظ معنى الفظ فيعطي حكمه نحو قوله تعالى: {الرفث إلى نسائكم} [البقرة: 187]، ضمّن الرفث معنى الإفضاء فعدي بـ (إلى) مثل: {وقد أفضى بعضكم إلى بعض} [النساء: 21]، وإنما أصل الرفث أن يتعدى بالباء، ويقال: أرفث فلان بامرأته. المغني 2/685.
[21875]:في ب: يثبت.
[21876]:الكشاف 2/417، البحر المحيط 6/204.
[21877]:الفخر الرازي 21/240-241.
[21878]:حمزة والكسائي.
[21879]:هو هشام بن عمار بن نصير بن ميسرة أبو الوليد السلمي، أخذ القراءة عرضا عن أيوب بن تميم، وعراك بن خالد، وغيرهما، وروى القراءة عنه أبو عبيد القاسم بن سلام، وأحمد بن يزيد الحلواني، وغيرهما، مات سنة 245 هـ. طبقات القراء 2/354-356.
[21880]:السبعة (122-123)، البحر المحيط 6/204، الإتحاف 300.
[21881]:في ب: وأنشد.
[21882]:هو مزاحم بن الحارث من بني عقيل، شاعر، بدوي، فصيح، إسلامي، كان في زمن جرير والفرزدق، وكان جرير يقرظه ويقدمه. الخزانة 6/204، الإتحاف 300.
[21883]:في ب: ها.
[21884]:البيت من بحر الطويل، قاله مزاحم العقيل "يّ، وهو في مجاز القرآن 2/9، الكتاب 4/459، تفسير ابن عطية 9/503، ابن يعيش 10/141، 142، البحر المحيط 6/204، المتيّم: الذي تيّمه الحب واستعبده. النّاصب: المنصب والمتعب: وهو غير جار على فعله، لأن الفعل (أنصب) فهو منصب، وإنما هو على النسب كتامر ولابن. والشاهد فيه إدغام اللام في التاء، أي: لام (هل) في تاء (تعين)، لأنهما متقاربان في المخرج، إذ هما من حروف طرف اللسان.
[21885]:في ب: على الأمر.
[21886]:في ب: لا يسمى.
[21887]:في ب: الذي.
[21888]:ما بين القوسين سقط من ب.
[21889]:انظر الفخر الرازي 21/241.
[21890]:انظر البغوي 5/386.
[21891]:في ب: هل تعلم.
[21892]:انظر الفخر الرازي 21/241.
[21893]:من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي 21/241.
[21894]:تعالى: سقط من ب.
[21895]:آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي 21/241.