قوله تعالى : { فأكلا } يعني : آدم وحواء عليهما السلام ، { منها فبدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وعصى آدم ربه } يعني : فعل ما لم يكن له فعله . وقيل : أخطأ طريق الحق وضل حيث طلب الخلد بأكل ما نهي عن أكله ، فخاب ولم ينل مراده . وقال ابن الأعرابي : أي فسد عليه عيشه ، وصار من العز إلى الذل ، ومن الراحة إلى التعب . قال ابن قتيبة : يجوز أن يقال عصى آدم ، ولا يجوز أن يقال : آدم عاص ، لأنه إنما يقال عاص لمن اعتاد فعل المعصية ، كالرجل يخيط ثوبه يقال : خاط ثوبه ، ولا يقال هو خياط حتى يعاود ذلك ويعتاده .
حدثنا أبو الفضل زياد بن محمد الحنفي ، أخبرنا أبو معاذ الشاه عبد الرحمن المزني ، أخبرنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن زياد النيسابوري ببغداد ، أنا يونس بن عبد الأعلى الصدفي ، أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار ، عن طاوس سمع أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " احتج آدم وموسى : فقال موسى : يا آدم أنت أبونا وأخرجتنا من الجنة ، فقال آدم : يا موسى اصطفاك الله بكلامه وخط لك التوراة بيده ، أفتلومني على أمر قدره الله علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة ، فحج آدم موسى " . ورواه عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة وزاد : " قال آدم : يا موسى بكم وجدت الله كتب التوراة قبل أن أخلق ؟ قال موسى : بأربعين عاماً ، قال آدم : فهل وجدت فيها : وعصى آدم ربه فغوى ؟ قال : نعم ، قال : أفتلومني على أن عملت عملاً كتبه الله على أن أعمله قبل أن يخلقني بأربعين سنة ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فحج آدم موسى " .
ثم أكد كل هذا التحريض بالقسم كما فى قوله - تعالى - : { وَقَاسَمَهُمَآ إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ الناصحين } فكانت نتيجة مكره بآدم وخداعه له ، أن أطاعه فى الأكل من الشجرة كما قال - تعالى - : { فَأَكَلاَ مِنْهَا } أى : فأكل آدم وزوجه من الشجرة التى نهاه ربه عن الأكل منها .
{ فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا } أى : عوراتهما ، وسميت العورة سوءة ، لأن انكشافها يسوء صاحبها وبحزنه ، ويجعل الناس تنفر منه .
{ وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الجنة . . } أى : وشرعا وأخذا يلزقان على أجسادهما من ورق الجنة ليسترا عوراتهما .
وكثير من المفسرين يقولون : إن ورق الجنة الذى أخذ آدم وحواء فى لزقه على أجسادهما هو ورق شجر التين لكبر حجمه .
وقد أخذ العلماء من ذلك وجوب ستر العورة ، لأن قوله - تعالى - : { وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الجنة } يدل على قبح انكشافها ، وأنه يجب بذل أقصى الجهد فى سترها .
وقوله { وعصى ءَادَمُ رَبَّهُ فغوى } أى : وخالف آدم أمر ربه فى اجتناب الأكل من الشجرة { فغوى } أى : فأخطأ طريق الصواب ، بسبب عدم طاعته ربه .
قالوا : ولكن آدم فى عصيانه لربه كان متأولا ، لأنه اعتقد أن النهى عن شجرة معينة لا عن النوع كله ، وقالوا : وتسمية ذلك عصيانا لعلو منصبه ، وقد قيل : حسنات الأبرار سيئات المقربين .
كما قالوا : إن الأسباب التى حملت آدم على الأكل من الشجرة ، أن إبليس أقسم له بالله إنه له ناصح ، فصدقه آدم - عليه السلام - لاعتقاده أنه لا يمكن لأحد أن يقسم بالله كاذبا ، والمؤمن غر كريم ، والفاجر خب لئيم كما جاء فى الحديث الشريف .
القول في تأويل قوله تعالى : { فَأَكَلاَ مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنّةِ وَعَصَىَ ءَادَمُ رَبّهُ فَغَوَىَ * ثُمّ اجْتَبَاهُ رَبّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىَ } .
يقول تعالى ذكره : فأكل آدم وحوّاء من الشجرة التي نُهيا عن الأكل منها ، وأطاعا أمر إبليس ، وخالفا أمر ربهما فَبَدَتُ لَهُما سَوْآتُهُما يقول : فانكشفت لهما عوراتهما ، وكانت مستورة عن أعينهما ، كما :
حدثنا موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : إنما أراد ، يعني إبليس بقوله : " هَلْ أدُلّكَ عَلى شَجَرةِ الخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى " ليبدي لهما ما توارى عنهما من سوآتهما ، بهتك لباسهما ، وكان قد علم أن لهما سَوْءَة لما كان يقرأ من كتب الملائكة ، ولم يكن آدم يعلم ذلك ، وكان لباسهما الظفر ، فأبى آدم أن يأكل منها ، فتقدمت حوّاء ، فأكلت ثم قالت : يا آدم كل ، فإني قد أكلت ، فلم يضرّني ، فلما أكل آدم بدت لهما سوآتهما .
وقوله : " وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما منْ وَرَقِ الجَنّةِ " يقول : أقبلا يشدّان عليهما من ورق الجنة ، كما :
حدثنا موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي " وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما منْ وَرَقِ الجَنّةِ " يقول : أقبلا يغطيان عليهما بورق التين .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما منْ وَرَقِ الجَنّةِ " يقول : يوصلان عليهما من ورق الجنة .
وقوله : " وَعَصى آدَمُ رَبّهُ فَغَوَى " يقول : وخالف أمر ربه ، فتعدّى إلى ما لم يكن له أن يتعدّى إليه ، من الأكل من الشجرة التي نهاه عن الأكل منها .
{ فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة } أخذا يلزقان الورق على سوآتهما للتستر وهو ورق التين { وعصى آدم ربه } بأكل الشجرة { فغوى } فضل عن المطلوب وخاب حيث طلب الخلد بأكل الشجرة ، أو عن المأمور به أو عن الرشد حيث اغتر بقول العدو . وقرئ " فغوى " من غوى الفصيل إذا أتخم من اللبن وفي النعي عليه بالعصيان والغواية مع صغر زلته تعظيم للزلة وزجر بليغ لأولاده عنها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.