قوله تعالى :{ يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوماً لا يجزي } لا يقضي ولا يغني ، { والد عن ولده ولا مولود هو جاز } مغن ، { عن والده شيئاً } قال ابن عباس : كل امرئ تهمه نفسه ، { إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور } يعني الشيطان . قال سعيد بن جبير : هو أن يعمل المعصية ويتمنى المغفرة .
ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة بدعوة الناس إلا الاستعدد ليوم الحساب وإلى مراقبة الله - تعالى - فى كل أحوالهم ، لأنه - سبحانه - لا يخفى عليه شئ منها . فقال : { ياأيها الناس اتقوا رَبَّكُمْ . . . . عَلَيمٌ خَبِيرٌ } .
والمعنى : { ياأيها الناس اتقوا رَبَّكُمْ } بأن تطيعوه ولا تعصوه ، وبأن تشكروه ولا تكفروه ، واخشوا يوما ، أى : وخافوا أهوال يوم عظيم .
{ لاَّ يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ } أى : لا يستطيع والد أن ينفع ولده بشئ من النفع فى هذا اليوم . أو أن يقضى عنه شيئا من الأشياء .
{ وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً } أى : ولا يستطيع المولود - أيضا - أن يدفع عن والده شيئا مما يحتاجه منه .
وخص - سبحانه - الوالد والمولود بالذكر ، لأن رابطة المحبة والمودة بينهما هى أقوا الروابط وأوثقها ، فإذا انتفى النفع بينهما فى هذا اليوم ، كان انتفاؤه بالنسبة لغيرها من باب أولى .
وقوله : { إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ } أى : إن ما وعد الله - تعالى - به عباده من البعث والحساب والثواب والعقاب ، حق وثابت ثبوتا لا يقبل الشك أو التخلف .
وما دام الأمر كذلك { فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الحياة الدنيا } أى : فلا تخدعنكم الحياة الدنيا بزخارفها وشهواتها ومتعها ، ولا تشغلنكم عن طاعة الله - تعالى - وعن حسن الاستعداد لهذا اليوم الهائل الشديد . فإن الكيسِّ الفطن هو الذى يتزود لهذا اليوم بالإِيمان الحق ، والعمل الصالح النافع .
{ وَلاَ يَغُرَّنَّكُم بالله الغرور } أى : ولا يصرفنكم الشيطان عن طاعة الله ، وعن امتثال أمره . فالمراد بالغرور : الشيطان . أو كل ما يصرفك عن طاعة الله - تعالى .
قال الآلوسى : { وَلاَ يَغُرَّنَّكُم بالله الغرور } أى : الشيطان ، كما روى عن ابن عباس وغيره . بأن يحملكم على المعاصى بتزيينها لكم . . وعن أبى عبيدة : كل شئ غرك حتى تعصى الله - تعالى - فهو غرور سواء أكان شيطانا أم غيره وعلى ذلك ذهب الراغب فقال : الغرور كل ما يغر الإِنسان من مال أو جاه أو شهوة أو شيطان . . وأصل الغرور : من غر فلان فلانا ، إذا أصاب غرته ، أى : غفلته ، ونال منه ما يريد . به الخداع .
والظاهر أن " بالله " صلة " يغرنكم " أى : لا يخدعنكم بذكر شئ من شئونه - تعالى - ، يجركم بها على معاصيه - سبحانه .
القول في تأويل قوله تعالى : { يَأَيّهَا النّاسُ اتّقُواْ رَبّكُمْ وَاخْشَوْاْ يَوْماً لاّ يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً إِنّ وَعْدَ اللّهِ حَقّ فَلاَ تَغُرّنّكُمُ الْحَيَاةُ الدّنْيَا وَلاَ يَغُرّنّكُم بِاللّهِ الْغَرُورُ } . يقول تعالى ذكره : أيها المشركون من قريش ، اتقوا الله ، وخافوا أن يحلّ بكم سخطه في يوم لا يغنى والد عن ولده ، ولا مولود هو مغن عن والده شيئا ، لأن الأمر يصير هنالك بيد من لا يغالب ، ولا تنفع عنده الشفاعة والوسائل ، إلاّ وسيلة من صالح الأعمال التي أسلفها في الدنيا . وقوله : إنّ وَعْدَ اللّهِ حَقّ يقول : اعلموا أن مجيء هذا اليوم حقّ ، وذلك أن الله قد وعد عباده ولا خلف لوعده فَلا تَغُرّنّكُمُ الحَياةُ الدّنْيا يقول : فلا تخدعنكم زينة الحياة الدنيا ولذّاتها ، فتميلوا إليها ، وتدعوا الاستعداد لما فيه خلاصكم من عقاب الله ذلك اليوم . وقوله : وَلا يَغُرّنّكُمْ بالله الغَرُورِ يقول : ولا يخدعنّكم بالله خادع . والغَرور بفتح الغين : هو ما غرّ الإنسان من شيء ، كائنا ما كان شيطانا كان أو إنسانا ، أو دنيا وأما الغُرور بضمّ الغين : فهو مصدر من قول القائل : غررته غرورا . وبنحو الذي قلنا في معنى قوله وَلا يَغُرّنّكُمْ باللّهِ الغَرُور قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله الغَرُور قال : الشيطان .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة قوله وَلا يَغُرّنكُمْ بِاللّهِ الغَرُورُ ذاكم الشيطان .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد المروزي ، يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول ، في قوله الغَرُورُ قال : الشيطان .
وكان بعضهم يتأوّل الغَرور بما :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا ابن المبارك ، عن ابن لهيعة ، عن عطاء بن دينار ، عن سعيد بن جُبَير ، قوله : وَلا يَغُرّنّكُمْ باللّهِ الغَرُورُ قال : إن تعمل بالمعصية وتتمنى المغفرة .
{ يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده } لا يقضي عنه ، وقرئ " لا يجزئ " من أجزأ إذا أغنى والراجع إلى الموصوف محذوف أي لا يجزى فيه . { ولا مولود } عطف على { والد } أو مبتدأ خبره . { هو جاز عن والده شيئا } وتغيير النظم للدلالة على أن المولود أولى بأن لا يجزي ، وقطع طمع من توقع من المؤمنين أن ينفع أباه الكافر في الآخرة . { إن وعد الله } بالثواب والعقاب . { حق } لا يمكن خلفه . { فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور } الشيطان بأن يرجيكم التوبة والمغفرة فيجسركم على المعاصي .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.