الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمۡ وَٱخۡشَوۡاْ يَوۡمٗا لَّا يَجۡزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِۦ وَلَا مَوۡلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِۦ شَيۡـًٔاۚ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِٱللَّهِ ٱلۡغَرُورُ} (33)

قوله : { وَلاَ مَوْلُودٌ } : جوَّزوا فيه وجهين ، أحدهما : أنه مبتدأٌ ، وما بعدَه الخبرُ . والثاني : أنه معطوفٌ على " والدٌ " ، وتكون الجملةُ صفةً له . وفيه إشكالٌ : وهو أنه نَفَى عنه أن يَجْزيَ ، ثم وَصَفَه بأنه جازٍ . وقد يُجاب عنه : بأنه وإن كان جازياً عنه في الدنيا فليس جازياً عنه يوم القيامة فالحالان باعتبار زَمَنين .

قد منع المهدويُّ أَنْ يكونَ مبتدأً قال : " لأنَّ الجملةَ بعده صفةٌ له فيبقى بلا خبرٍ ، ولا مُسَوِّغَ غيرُ الوصف " . وهو سهوٌ . لأنَّ النكرةَ متى اعتمدَتْ على نفيٍ ساغ الابتداءُ بها . وهذا مِنْ أشهرِ مُسَوِّغاتِه . وقال الزمخشري : " فإن قلت : قوله : { وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً } وارِدٌ على طريقٍ من التوكيد لم يَرِدْ عليه ما هو معطوفٌ عليه . قلت : الأمر كذلك لأنَّ الجملةَ الاسميَّةَ آكدُ من الفعلية ، وقد انضَمَّ إلى ذلك قولُه : " هو " وقوله : " مولودٌ " . قال : " ومعنى التوكيدِ في لفظِ المولود : أنَّ الواحدَ منهم لو شَفَعَ للوالدِ الأَدْنَى الذي وُلِد منه لم تُقْبَلْ منه فضلاً أَنْ يَشْفَعَ لمَنْ فوقَه مِنْ أجدادِه لأنَّ " الولدَ " يقع على الولدِ وولدِ الولدِ ، بخلاف المولودِ فإنه للذي وُلِد منك " قال : " والسببُ في مجيئِه على هذا السَّنَنِ أنَّ الخطابَ للمؤمنين ، وعِلِّيَّتُهم قُبِضَ آباؤُهم على الكفر ، فأريد حَسْمُ أطماعِهم وأطماعِ الناسِ فيهم " .

والجملةُ مِنْ قولِه : " لا يَجْزِي " صفةٌ ل " يومٍ " ، والعائدُ محذوفٌ أي : فيه ، فحُذِف برُمَّتهِ أو على التدريج .

وقرأ عكرمة " لا يُجْزَى " مبنياً للمفعول . وأبو السَّمَّال وأبو السِّوار " لا يُجْزِئ " بالهمز ، مِنْ أَجْزأ عنه أي : أغنى .

قوله : " شيئاً " منصوبٌ على المصدر وهو من الإِعمال ؛ لأنَّ " يَجْزي " و " جازٍ " يَطْلبانِه . والعاملُ جازٍ ، على ما هو المختارُ للحذفِ من الأول .

قوله : " فلا تَغُرَّنَّكُمْ " العامَّةُ على تشديد النون . وابنُ أبي إسحاق وابنُ أبي عبلة ويعقوبُ بالخفيفة ، وسماك بن حرب ويعقوب " الغُرور " بالضمِّ وهو مصدرٌ ، والعامَّةُ بالفتح صفةُ مبالغةٍ كشَكُور . وفُسِّر بالشيطان . على أنَّه يجوزُ أَنْ يكونَ المضمومَ مصدراً واقعاً وصفاً للشيطان .