الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمۡ وَٱخۡشَوۡاْ يَوۡمٗا لَّا يَجۡزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِۦ وَلَا مَوۡلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِۦ شَيۡـًٔاۚ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِٱللَّهِ ٱلۡغَرُورُ} (33)

{ لاَّ يَجْزِى } لا يقضي عنه شيئاً . ومنه قيل للمتقاضي : المتجازي . وفي الحديث في جذعة بن نيار : " تجزِي عنكَ ولا تجزِي عنْ أحدٍ بعدَك " وقرىء : «لا يجزىء » لا يغني . يقال : أجزأت عنك مجزأ فلان . والمعنى : لا يجزى فيه ، فحذف . { الغرور } الشيطان . وقيل : الدنيا وقيل : تمنيكم في المعصية المغفرة . وعن سعيد بن جبير رضي الله عنه : الغرّة بالله : أن يتمادى الرجل في المعصية ويتمنى على الله المغفرة . وقيل : ذكرك لحسناتك ونسيانك لسيئاتك غرة . وقرىء بضم الغين وهو مصدر غره غروراً ، وجعل الغرور غارًّا ، كما قيل : جدّ جدّه . أو أريد زينة الدنيا لأنها غرور .

فإن قلت : قوله : { وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً } وارد على طريق من التوكيد لم يرد عليه ما هو معطوف عليه . قلت : الأمر كذلك ؛ لأنّ الجملة الإسمية أكد من الفعلية ، وقد انضم إلى ذلك قوله : { هُوَ } وقوله : { مَوْلُودٌ } والسبب في مجيئه على هذا السنن : أنّ الخطاب للمؤمنين وعليتهم : قبض آباؤهم على الكفر وعلى الدين الجاهلي ، فأريد حسم أطماعهم وأطماع الناس فيهم : أن ينفعوا آباءهم في الآخرة ، وأن يشفعوا لهم ، وأن يغنوا عنهم من الله شيئاً ؛ فلذلك جيء به على الطريق الآكد . ومعنى التوكيد في لفظ المولود : أن الواحد منهم لو شفع للأب الأدنى الذي ولد منه ، لم تقبل شفاعته ، فضلاً أن يشفع لمن فوقه من أجداده ؛ لأنّ الولد يقع على الولد وولد الولد ؛ بخلاف المولود فإنه لمن ولد منك .