فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمۡ وَٱخۡشَوۡاْ يَوۡمٗا لَّا يَجۡزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِۦ وَلَا مَوۡلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِۦ شَيۡـًٔاۚ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِٱللَّهِ ٱلۡغَرُورُ} (33)

{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ ( 33 ) إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ( 34 ) }

{ يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي } أي : لا يغني ولا يقضي { والد عن ولده } شيئا ولا ينفعه بوجه من وجوه النفع ، لاشتغاله بنفسه ، وقد تقدم بيان معناه في البقرة { ولا مولود هو } مبتدأ ثان خبره : { جاز عن والده شيئا } والجملة خبر مولود ، وجاز الابتداء به ، وهو نكرة لأنه في سياق النفي ، ثم الخبر مع المبتدأ كلام وارد على طريق من التوكيد ، لم يرد عليه ما هو معطوف عليه ، لأن الجملة الاسمية ، آكد من الجملة الفعلية ، وقد انضم إلى ذلك قوله { هو } وقوله { مولود } والسبب في ذلك أن الخطاب للمؤمنين ، فأريد حسم أطماعهم أن ينفعوا آباءهم بالشفاعة في الآخرة ، ومعنى التأكيد في لفظ المولود : أن الواحد منهم لو شفع للأب الأدنى الذي ولد منه لم تقبل شفاعته ، فضلا أن يشفع لأجداده ، إذ الولد يقع على الولد ، وولد الولد ، بخلاف المولود فإنه لمن ولد منك ، كذا الكشاف .

وبالجملة فقد ذكر سبحانه هنا فردين من القرابات ، وهما الوالد والولد ، وهما الغاية في الحنو والمحبة والشفقة على بعضهم البعض ، فما عداهما من القرابات لا يجزي بالأولى ، فكيف بالأجانب ، ونبه أيضا بالأعلى على الأدنى ، والأدنى على الأعلى ، فالوالد يجزي عن ولده في الدنيا لكمال شفقته عليه ، والولد يجزي عن والده لما له عليه من حق التربية وغيرهما ، فإذا كان يوم القيامة فكل إنسان يقول : نفسي نفسي ، ولا يهتم بقريب ولا بعيد .

وقال ابن عباس : كل امرئ تهمه نفسه ، اللهم اجعلنا ممن لا يرجو سواك ، ولا يعول على غيرك .

{ إن وعد الله } بالبعث { حق } لا يتخلف ، فما وعد به من الخير ، وأوعد به من الشر ، فهو كائن لا محالة { فلا تغرنكم الحياة الدنيا } وزخارفها عن الإسلام فإنها زائلة ذاهبة فانية .

{ ولا يغرنكم بالله } في حمله وإمهاله { الغرور } بفتح الغين أي : الدنيا ، أو الأمل بأن يرجيكم التوبة والمغفرة فيجسركم على المعاصي ، وقال ابن عباس : الغرور : هو الشيطان ، وكذا قال مجاهد ، وعكرمة وقتادة لأن من شأنه أن يغر الخلق ، ويمنيهم بالأماني الباطلة ، ويلهيهم عن الآخرة ، ويصدهم عن طريق الحق . وقال سعيد بن جبير : يعمل بالمعاصي ، ويتمنى المغفرة . وقرئ بضم الغين ، ومصدر غر يغر غرورا ، ويجوز أن يكون مصدرا واقعا وصفا للشيطان على المبالغة .