تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمۡ وَٱخۡشَوۡاْ يَوۡمٗا لَّا يَجۡزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِۦ وَلَا مَوۡلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِۦ شَيۡـًٔاۚ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِٱللَّهِ ٱلۡغَرُورُ} (33)

الآية 33 وقوله تعالى : { يا أيها الناس اتقوا ربكم } يحتمل { واتقوا ربكم } في الجهة التي( {[16314]} ) له عليكم ، وأوفوا له ذلك ، أو اتقوا مخالفة ربكم ومعصيته ، أو اتقوا نقمة ربكم وعذابه .

لكنه يختلف الأمر بالاتقاء في المؤمن والكافر ؛ يكون للكافر : اتقوا الشرك وعبادة غير الله ، وفي المؤمن : اتقوا مخالفة الله في جميع ما يأمركم ، وينهاكم ، واتقوا عبادة غير الله أو الشرك في حادث الوقت .

وقوله تعالى : { واخشوا يوما لا يجزى والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا } يذكر هذا على الإياس وقطع طمع بعضهم عن بعض بالوصلة التي كانت بينهم في الدنيا .

يخبر أن ذلك كله منقطع في الآخرة لهول ذلك اليوم واشتغال كل بنفسه حتى لا ينفع أحد صاحبه ، وخاصة ما ذكر من الولد لوالده والوالد لولده مما لا يحتمل قلب واحد منهما ، أن يلحق المكروه بالآخر ، ولا يصبر ألا يدفع ذلك عنه بكل ما به وسعه وطاقته للشفقة والمحبة التي جعلت( {[16315]} ) فيهم .

ثم أخبر ألا ينفع أحدهما صاحبه لاشتغاله بنفسه . وعلى ذلك روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : ( كل نسب وسبب فهو منقطع إلا نسبي وسببي ) [ بنحوه أحمد 4/323 ] ونسبه دينه الذي دعانا إليه ، وعلمناه ، وسببه شفاعته يوم القيامة . فذلك كله منقطع إلا هذين فإنه من تمسك بدينه فإنه يشفع [ له ]( {[16316]} ) يوم القيامة في ما قصّر ، وفرّط . فأما من لم يقبل دينه ، ولم يجبه إلى ما دعاه ، فإنه ليس له واحد من هذين من الأسباب والأنساب ، منقطع كقوله : { وتقطعت بهم الأسباب } [ البقرة : 166 ] .

وقال بعضهم قوله : { واخشوا يوما لا يجزى والد عن ولده } قال هذه الآية في الكفار . فأما المؤمنون فينفع الوالد ولده والوالد والده في الآخرة ؛ [ ينفع الوالد ]( {[16317]} ) ابنه بفضل عمله ، وكذلك [ ينفع الولد أباه ]( {[16318]} ) كقوله : { آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا } [ النساء : 11 ] والله أعلم .

وقوله تعالى : { إن وعد الله حق } في ما ذكر من الإياس وقطع طمع بعضهم عن بعض ، أو ما ذكر من قيام [ الساعة ]( {[16319]} ) وكونها أنها تكون ، لا محالة ، أو في الثواب والعقاب .

وقوله تعالى : { فلا تغرنكم الحياة الدنيا } هذا يحتمل وجهين : على التحقق [ والتمثيل .

أما التحقيق فألا ]( {[16320]} ) تشغلنكم الحياة الدنيا ولذاتها ، ولا تلهينكم عن ذكر الله وعن الآخرة ، ولا تغتروا بها فإنها لعب ولهو على ما ذكر أنها لعب ولهو على ما هي عندكم ، لأنها [ عندكم إنما ]( {[16321]} ) أنشئت ، وخلقت ، لها لا للآخرة .

فالدنيا على ما هي عندهم لعب ولهو ، وأما على ما هي عندنا فهي( {[16322]} ) حق ، ليست بباطل ، أنها أنشئت للآخرة وبالغة( {[16323]} ) إليها .

وأما التمثيل [ فقد ]( {[16324]} ) أضاف التغرير إليها لأن ما كان منها من التزيين والتحسين في الظاهر وإظهار بهجتها وسرورها ولذاتها ، لو كان ممن له التمييز والعقل والفهم وحقيقة التزيين والتحسين كان تغريرا . فعلى ذلك ما كان منها على الظاهر ، وهو تغرير ، على التمثيل .

[ ويحتمل ]( {[16325]} ) أن يكون ما ذكر ألا تغتروا بالحياة الدنيا وما فيها من لذاتها [ على النهي ]( {[16326]} ) والله أعلم .

وقوله تعالى : { ولا يغرنكم بالله الغرور } قيل : الغرور : الشيطان لا يغرنكم : يقول( {[16327]} ) : إن الله كريم رحيم جواد ، لا يعذبكم ، أو يقول : إن الله غني قادر ، لا يأمركم بأمر ، ولا ينهاكم [ عن شيء ]( {[16328]} ) إذ إنما يأمر ، وينهى في الشاهد من كان محتاجا . فأما الغني فلا يأمره ، أو نحوه ، والله أعلم .


[16314]:في الأصل وم: الذي.
[16315]:من م، في الأصل:جعلته.
[16316]:ساقطة من الأصل وم.
[16317]:في الأصل وم: يدفع إلى.
[16318]:في الأصل وم: الوالد على أبيه.
[16319]:من م، ساقطة من الأصل.
[16320]:من م، ساقطة من الأصل.
[16321]:في الأصل وم: عندهم أنها إنما.
[16322]:في الأصل وم: هو.
[16323]:في الأصل وم: وبلغه.
[16324]:ساقطة من الأصل وم.
[16325]:في الأصل وم: أو.
[16326]:ساقطة من الأصل وم.
[16327]:في الأصل وم: ويقول.
[16328]:ساقطة من الأصل وم.