فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمۡ وَٱخۡشَوۡاْ يَوۡمٗا لَّا يَجۡزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِۦ وَلَا مَوۡلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِۦ شَيۡـًٔاۚ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِٱللَّهِ ٱلۡغَرُورُ} (33)

{ يا أيها الناس اتقوا رَبَّكُمْ واخشوا يَوْماً لاَّ يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ } أي لا يغني الوالد عن ولده شيئاً ، ولا ينفعه بوجه من وجوه النفع لاشتغاله بنفسه . وقد تقدّم بيان معناه في البقرة { وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً } ذكر سبحانه فردين من القرابات وهو الوالد والولد ، وهما الغاية في الحنوّ والشفقة على بعضهم البعض ، فما عداهما من القرابات لا يجزي بالأولى ، فكيف بالأجانب ؟ اللهمّ اجعلنا ممن لا يرجو سواك ولا يعوّل على غيرك { إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ } لا يتخلف فما وعد به من الخير وأوعد به من الشرّ فهو كائن لا محالة { فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الحياة الدنيا } وزخارفها فإنها زائلة ذاهبة { وَلاَ يَغُرَّنَّكُم بالله الغرور } قرأ الجمهور { الغرور } بفتح الغين المعجمة . والغرور هو : الشيطان ؛ لأن من شأنه أن يغرّ الخلق ويمنيهم بالأماني الباطلة ، ويلهيهم عن الآخرة ، ويصدّهم عن طريق الحق . وقرأ سماك بن حرب وأبو حيوة وابن السميفع بضم الغين مصدر غرّ يغرّ غروراً ، ويجوز أن يكون مصدراً واقعاً وصفاً للشيطان على المبالغة .

/خ34