معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَقِيلَ يَـٰٓأَرۡضُ ٱبۡلَعِي مَآءَكِ وَيَٰسَمَآءُ أَقۡلِعِي وَغِيضَ ٱلۡمَآءُ وَقُضِيَ ٱلۡأَمۡرُ وَٱسۡتَوَتۡ عَلَى ٱلۡجُودِيِّۖ وَقِيلَ بُعۡدٗا لِّلۡقَوۡمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (44)

قوله تعالى : { وقيل } ، يعني : بعدما تناهى أمر الطوفان : { يا أرض ابلعي } ، تشربي ، { ماءك ويا سماء أقلعي } ، أمسكي ، { وغيض الماء } ، نقص ونضب ، يقال : غاض الماء يغيض غيضا إذا نقص ، وغاضه الله أي أنقصه ، { وقضي الأمر } فرغ من الأمر وهو هلاك القوم { واستوت } ، يعني السفينة استقرت ، { على الجودي } ، وهو جبل بالجزيرة بقرب الموصل ، { وقيل بعداً } ، هلاكاً ، { للقوم الظالمين } . وروي أن نوحا عليه السلام بعث الغراب ليأتيه بخبر الأرض فوقع على جيفة فلم يرجع فبعث الحمامة فجاءت بورق زيتون في منقارها ولطخت رجليها بالطين ، فعلم نوح أن الماء قد نضب ، فقيل إنه دعا على الغراب بالخوف فلذلك لا يألف البيوت ، وطوق الحمامة الخضرة التي في عنقها ودعا لها بالأمان ، فمن ثم تأمن وتألف البيوت . وروي : أن نوحا عليه السلام ركب السفينة لعشر مضت من رجب وجرت بهم السفينة ستة أشهر ، ومرت بالبيت فطافت به سبعا وقد رفعه الله من الغرق وبقي موضعه ، وهبطوا يوم عاشوراء ، فصام نوح ، وأمر جميع من معه بالصوم شكرا لله عز وجل . وقيل : ما نجا من الكفار من الغرق غير عوج بن عنق كان الماء إلى حجزته ، وكان سبب نجاته أن نوحا احتاج إلى خشب ساج للسفينة فلم يمكنه نقله فحمله عوج إليه من الشام ، فنجاه الله تعالى من الغرق لذلك .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَقِيلَ يَـٰٓأَرۡضُ ٱبۡلَعِي مَآءَكِ وَيَٰسَمَآءُ أَقۡلِعِي وَغِيضَ ٱلۡمَآءُ وَقُضِيَ ٱلۡأَمۡرُ وَٱسۡتَوَتۡ عَلَى ٱلۡجُودِيِّۖ وَقِيلَ بُعۡدٗا لِّلۡقَوۡمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (44)

وبعد أن غرق الكافرون ، ونجا نوح ومن معه من المؤمنين ، وجه الله - تعالى - أمره إلى الأرض وإلى السماء . . فقال : { وَقِيلَ ياأرض ابلعي مَآءَكِ وياسمآء أَقْلِعِي وَغِيضَ المآء وَقُضِيَ الأمر واستوت عَلَى الجودي وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظالمين } .

أى : وبعد أن أدى الطوفان وظيفته فأغرق بأمر الله - تعالى - الكافرين ، قال الله - تعالى - للأرض : { ياأرض ابلعي مَآءَكِ } .

أى : اشربى أيتها الأرض ما على وجهك من ماء ، وابتعليه بسرعة فى باطنك كما يبتلع الإِنسان طعامه فى بطنه بدون استقرار فى الفم .

وقال - سبحانه - للسماء { وياسمآء أَقْلِعِي } أى : أمسكى عن إرسال المطر يقال : أقلع فلان عن فعله إقلاعا ، إذا كف عنه وترك فعله . ويقال : أقلعت الحمى عن فلان ، إذا تركته .

فامتثلتا - أى الأرض والسماء - لأمر الله - فى الحال ، فهو القائل وقوله الحق : { إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } وقوله { وَغِيضَ المآء } أى : نقص ونضب . يقال : غاض الماء يغيض ، إذا قل ونقص .

والمراد به هنا : الملاء الذى نشأ عن الطوفان .

وقوله : { وَقُضِيَ الأمر } أى : تم ونفذ ما وعد الله - تعالى - به نبيه نوحا - عليه السلام - من إهلاكه للقوم الظالمين .

والضمير فى قوله : { واستوت عَلَى الجودي } للسفينة ، والجودى ، جيل بشمال العراق بالقرب من مدينة الموصل . وقيل هو جبل بالشام .

أى : واستقرت السفينة التى تحمل نوحا والمؤمنين بدعوته ، على الجبل المعروف بهذا الاسم ، بعد أن أهلك الله أعداءهم .

قال ابن كثير ما ملخصه : وكان خروجهم من السفينة فى يوم عاشوراء من المحرم ، فقد روى الإِمام أحمد عن أبى هريرة قال : " مر النبى - صلى الله عليه وسلم - بأناس من اليهود ، وقد صاموا يوم عاشوراء ، فقال لهم : ما هذا الصوم ؟ قالوا ، هذا اليوم الذى نجى الله موسى وبنى إسرائيل من الغرق ، وغرق فيه فرعون . وهذا يوم استوت فيه السفينة على الجودى . فصامه نوح وموسى - عليه السلام - شكرا لله .

فقال النبى - صلى الله عليه وسلم - " أنا أحق بموسى ، وأحق بصوم هذا اليوم " فصامه ، وقال لأصحابه : من كان أصبح منكم صائما فليتم صومه ، ومن كان قد أصاب من غذاء أهله ، فليتم بقية يومه " " .

ثم ختم - سبحانه - الآية الكريمة بقوله : وقيل بعدا القوم الظالمين .

أى : هلاكا وسحقا وطردا من رحمة الله - تعالى - للقوم الذين ظلموا أنفسهم بإيثارهم الكفر على الإِيمان ، والضلالة على الهداية .

قال الجمل : { وبعدا } مصدر بعد - بكسر العين - يقال بعد بعدا - بضم فسكون - وبعداً - بفتحتين - إذا بعد بعد بعيدا بحيث لا يرجى عوده ، ثم استعير للهلاك ، وخص بدعاء السوء ، وهو منصوب على المصدر بفعل مقدر . أى : وقيل بعداً بعدا . . .

هذا وقد تكلم بعض العلماء عن أوجه البلاغة والفصاحة فى هذه الآية كلاما طويلا ، نكتفى بذكر جانب مما قاله فى ذلك الشيخ القاسمى فى تفسيره .

قال - رحمه الله - ما ملخصه : " هذه الآية بلغت من أسرار الإِعجاز غايتها ، وحوت من بدائع الفوائد نهايتها . وقد اهتم علماء البيان بإبراز ذلك ، ومن أوسعهم مجالا فى مضمار معارفها الإِمام " السكاكى " فقد أطال وأطنب فى كتابه " المفتاح " فى الحديث عنها .

فقد قال - عليه الرحمة - فى بحث البلاغة والفصاحة :

وإذ قد وفقت على البلاغة ، وعثرت على الفصاحة ، فأذكر لك على سبيل الأنموذج ، آية أكشف لك فيها من وجوههما ما عسى ن يكون مستورا عنك ، وهذه الآية هى قوله - تعالى - { وَقِيلَ ياأرض ابلعي مَآءَكِ وياسمآء أَقْلِعِي وَغِيضَ المآء وَقُضِيَ الأمر . . } .

والنظر فى هذه الآية من أربع جهات : من جهة علم البيان ، ومن جهة علم المعانى ، ومن جهة الفصاحة المعنوية ، ومن جهة الفصاحة اللفظية .

أما النظر فيها من جهة علم البيان . . فتقول : إنه - عز سلطانه - لما أراد أن يبين معنى هو : أردنا أن نرد ما انفجر من الأرض إلى بطنها فارتد ، وأن نقطع طوفان السماء فانقطع ، وأن نغيض الماء النازل من السماء فغاض لما أراد ذلك : بنى الكلام على التشبيه ، بأن شبه الأرض والسماء بالمأمور الذى لا يتأتى منه أن يعصى أمره . . وكأنهما عقلاء مميزون فقال : { ياأرض ابلعي مَآءَكِ وياسمآء أَقْلِعِي . . . } .

ثم قال : { ماءك } بإضافة الماء إلى الأرض على سبيل المجاز ، تشبيها لاتصال الماء بالأرض ، باتصال الملك بالمالك .

ثم اختار لاحتباس المطر لفظ الإِقلاع الذى هو ترك الفاعل للفعل .

وأما المنظر فيها من حيث علم المعانى . . فذلك أنه اختير { يا } دون سائر أخواتها ، لكونها أكثر فى الاستعمال . . واختير لفظ " ابلعى " على " ابتلعى " لكونه أخصر . ثم أطلق الظلم ليتناول كل نوع منه ، حتى يدخل فيه ظلمهم لأنفسهم .

وأما النظر فيها من جانب الفصاحة المعنوية فهى كما ترى . نظم للمعانى لطيف ، وتأدية لها ملخصة مبينة ، لا تعقيد الفكر فى طلب المراد ، ولا التواء يشيك الطريق إلى المرتاد ، بل إذا جربت نفسك عند استماعها ، وجدت ألفاظها تسابق معانيها ، ومعانيها تسابق ألفاظها ، فما من لفظة فى تركيب الآية ونظمها تسبق إلى أذنك ، إلا ومعناها أسبق إلى قلبك .

وأما النظر فيها من جانب الفصاحة اللفظية : فألفاظها على ما ترى عربية ، مستعملة جارية على قوانين اللغة ، سليمة من التنافر ، بعدية عن البشاعة .

ولا تظن الآية مقصورة على ما ذكرت ، فلعل ما تركت أكثر مما ذكرت .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَقِيلَ يَـٰٓأَرۡضُ ٱبۡلَعِي مَآءَكِ وَيَٰسَمَآءُ أَقۡلِعِي وَغِيضَ ٱلۡمَآءُ وَقُضِيَ ٱلۡأَمۡرُ وَٱسۡتَوَتۡ عَلَى ٱلۡجُودِيِّۖ وَقِيلَ بُعۡدٗا لِّلۡقَوۡمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (44)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَقِيلَ يَأَرْضُ ابْلَعِي مَآءَكِ وَيَسَمَآءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَآءُ وَقُضِيَ الأمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيّ وَقِيلَ بُعْداً لّلْقَوْمِ الظّالِمِينَ } .

يقول الله تعالى ذكره : وقال الله للأرض بعد ما تناهى أمره في هلاك قوم نوح بما أهلكهم به من الغرق : يا أرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ : أي تَشَرّبي ، من قول القائل : بَلَعَ فلان كذا يَبْلَعُهُ ، أو بَلِعَهُ يَبْلَعُه إذا ازدرده . وَيا سَماءُ اقْلِعي يقول : أقلعي عن المطر : أمسكي . وَغِيضَ الماءُ ذهبت به الأرض ونشفته . وَقُضِيَ الأمْرُ يقول : قُضِي أمر الله ، فمضي بهلاك قوم نوح . وَاسْتَوَتْ على الجُودِيّ يعني الفُلْك . استوت : أرست على الجوديّ ، وهو جبل فيما ذكر بناحية الموصل أو الجزيرة . وَقِيلَ بُعْدا للقَوْمِ الظّالِمِينَ يقول : قال الله : أبعد الله القوم الظالمين الذين كفروا بالله من قوم نوح .

حدثنا عباد بن يعقوب الأسدي ، قال : حدثنا المحاربيّ ، عن عثمان بن مطر ، عن عبد العزيز بن عبد الغفور عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «فِي أولِ يَوْمٍ مِنْ رَجَبٍ رَكبَ نُوحٌ السّفِينَة فَصَامَ هُوَ وَجمِيعُ مَنْ مَعَهُ ، وَجَرَتْ بِهِمُ السّفِينَةُ سِتّةَ أشْهُرٍ ، فانْتَهَى ذلكَ إلى المُحَرّمِ ، فَأرْسَتِ السّفِينَةُ على الجُودِيّ يَوْمَ عاشُورَاءَ ، فَصَامَ نُوحٌ وأمَرَ جَمِيعَ مَنْ مَعَهُ مِن الوَحْشِ والدّوَابّ فَصَامُوا شُكْرا لِلّهِ » .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : كانت السفينة أعلاها للطير ، ووسطها للناس ، وفي أسفلها السباع ، وكان طولها في السماء ثلاثين ذراعا ، دفعت من عين وردة يوم الجمعة لعشر ليال مضين من رجب ، وأرست على الجوديّ يوم عاشوراء ، ومرّت بالبيت فطافت به سبعا ، وقد رفعه الله من الغرق ، ثم جاءت اليمن ، ثم رجعت .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن أبي جعفر الرازي ، عن قتادة ، قال : هبط نوح من السفينة يوم العاشر من المحرّم ، فقال لمن معه : من كان منكم اليوم صائما فليتمّ صومه ، ومن كان مفطرا فليصم .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن أبي معشر ، عن محمد بن قيس قال : كان في زمن نوح شبر من الأرض لا إنسان يدّعيه .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : ذكر لنا أنها يعني الفلك استقلت بهم في عشر خلون من رجب ، وكانت في الماء خمسين ومئة يوم ، واستقرّت على الجوديّ شهرا ، وأهبط بهم في عشر من المحرّم يوم عاشوراء .

وبنحو ما قلنا في تأويل قوله : وَغِيضَ المَاءُ وَقُضِيَ الأمْرُ وَاسْتَوَتْ على الجُودِيّ قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : وَغِيضَ المَاءُ قال : نقص . وَقُضِيَ الأمْرُ قال : هلاك قوم نوح .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثني القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله . قال : قال ابن جريج وَغِيضَ المَاءُ نشفته الأرض .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : حدثنا معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : يا سَماءُ أقْلِعِي يقول : أمسكي . وَغِيضَ المَاءُ يقول : ذهب الماء .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : وَغِيضَ المَاءُ الغيوض : ذهاب الماء وَاسْتَوَتْ على الجُودِيّ .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن نمير ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : وَاسْتَوَتْ على الجُودِيّ قال : جبل بالجزيرة ، تشامخت الجبال من الغرق ، وتواضع هو لله فلم يغرق ، فأرسيت عليه .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : وَاسْتَوَتْ على الجُودِيّ قال : الجوديّ جبل بالجزيرة ، تشامخت الجبال يومئذ من الغرق وتطاولت ، وتواضع هو لله فلم يغرق ، وأُرسيت سفينة نوح عليه .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وَاسْتَوَتْ على الجُودِيّ يقول : على الجبل ، واسمه الجُوديّ .

حدثني الحارث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا سفيان : وَاسْتَوَتْ على الجُودِيّ قال : جبل بالجزيرة شمخت الجبال وتواضع حين أرادت أن ترفأ عليه سفينة نوح .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : وَاسْتَوَتْ على الجُودِيّ أبقاها الله لنا بوادي أرض الجزيرة عبرة وآية .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ قال : حدثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول : وَاسْتَوَتْ على الجُودِيّ هو جبل بالموصل .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : ذكر لنا أن نوحا بعث الغراب لينظر إلى الماء ، فوجد جيفة فوقع عليها ، فبعث الحمامة فأتته بورق الزيتون ، فأعطيت الطوق الذي في عنقها وخضاب رجليها .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : لما أراد الله أن يكفّ ذلك يعني الطوفان أرسل ريحا على وجه الأرض ، فسكن الماء ، واستدت ينابيع الأرض الغمر الأكبر ، وأبواب السماء يقول الله تعالى : وَقِيلَ يا أرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ ويا سمَاءُ أقْلِعِي . . . إلى : بُعْدا للقَوْمِ الظّالِمِينَ فجعل ينقص ويغيض ويدبر . وكان استواء الفلك على الجودي فيما يزعم أهل التوراة في الشهر السابع لسبع عشرة ليلة مضت منه ، في أول يوم من الشهر العاشر ، رُئِي رؤوس الجبال . فلما مضى بعد ذلك أربعون يوما فتح نوح كوة الفلك التي صنع فيها ، ثم أرسل الغراب لينظر له ما فعل الماء فلم يرجع إليه ، فأرسل الحمامة فرجعت إليه ، ولم يجد لرجليها موضعا ، فبسط يده للحمامة فأخذها ثم مكث سبعة أيام ، ثم أرسلها لتنظر له ، فرجعت حين أمست وفي فيها ورق زيتونة ، فعلم نوح أن الماء قد قل عن وجه الأرض . ثم مكث سبعة أيام ، ثم أرسلها فلم ترجع ، فعلم نوح أن الأرض قد برزت ، فلما كملت السنة فيما بين أن أرسل الله الطوفان إلى أن أرسل نوح الحمامة ودخل يوم واحد من الشهر الأول من سنة اثنتين برز وجه الأرض ، فظهر اليَبَس ، وكشف نوح غطاء الفلك ، ورأى وجه الأرض . وفي الشهر الثاني من سنة اثنتين في سبع وعشرين ليلة منه قيل لنوح : اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمّنْ مَعَك وأُمَمٌ سَنُمَتّعُهُمْ ثُمّ يَمَسّهُمْ مِنّا عَذَابٌ ألِيمٌ .

حُدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول : تزعم أناس أن من غرق من الولدان مع آبائهم ، وليس كذلك ، إنما الولدان بمنزلة الطير وسائر من أغرق الله بغير ذنب ، ولكن حضرت آجالهم فماتوا لاَجالهم ، والمدركون من الرجال والنساء كان الغرق عقوبة من الله لهم في الدنيا ثم مصيرهم إلى النار .